نمرٌ من ورق: هل تخشى إيران المواجهة أم تُحسن إدارتها؟

في كل مرة تتعرّض فيها إيران لضربة عسكرية أو أمنية موجعة، تعود لتكرار نغمة "الرد الحاسم في الزمان والمكان المناسبين" عبر وسائل إعلامها الرسمية وعلى ألسنة قادتها. لكن هذا "الرد" كثيرًا ما يتأخر أو يُنفّذ بطرق غير مباشرة، من خلال أذرعها في المنطقة كـ"حزب الله" في لبنان، و"الحشد الشعبي" في العراق، و"الحوثيين" في اليمن.

* فهل نحن أمام عجز فعلي عن الرد؟ ام أمام حسابات إستراتيجية دقيقة تتجنّب التصعيد الشامل؟

رغم الخطاب الإيراني الناري، إلا أن طهران تتجنّب غالبًا المواجهات المباشرة  لأسباب عدة، أبرزها:

١) الخوف من حرب شاملة قد تستنزف قدراتها العسكرية وتهدد إستقرارها الداخلي، خصوصًا في ظل وضع إقتصادي هش.


٢) الحفاظ على الحد الأدنى من التعاطف الدولي، كي لا تظهر بمظهر الدولة التي تزعزع إستقرار الإقليم.


٣) تفادي الإضرار بموقفها التفاوضي في الملف النووي، لا سيّما في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية الخانقة.

٤) إنشغال حليفها الروسي بالحرب في أوكرانيا ..

# الردع غير المتكافئ

* من الواضح أن الفارق بين إيران وإسرائيل في ميزان القوة كبير، فإسرائيل تمتلك تفوّقًا تكنولوجيًا وإستخباراتيًا، مدعومًا بغطاء أمريكي قوي، يتيح لها شنّ ضربات إستباقية دقيقة دون خشيةٍ من ردّ مباشر.

* أما إيران، فهي تعتمد على ما تسميه بـ"الصبر الإستراتيجي"، وتُفعّل أدواتها في المنطقة عبر وكلائها، مما يُقلّل من كلفة المواجهة المباشرة ويوزّع المسؤولية على أطراف متعددة.

# ضعفٌ أم حُسن إدارة؟

في نظر البعض، هذا التردّد الإيراني يُفسّر كعلامة ضعف أو خوف من التصعيد. لكن آخرين يرونه تعبيرًا عن براغماتية سياسية وعسكرية، تراعي الواقع القائم، وتضع في الحسبان:

* الحاجة لتجنّب مواجهة شاملة لا تُحمد عقباها.

* ضرورة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية وسط أزمات إقتصادية وإجتماعية خانقة.

* السعي لبناء نفوذ سياسي وأمني بعيد المدى عبر أدوات غير تقليدية.

(الخُلاصة)

الردع المؤجل لا يعني دائمًا العجز. فإيران تملك أوراقًا متعددة للرد، لكنها محكومة بشبكة من القيود السياسية والإقتصادية والعسكرية تجعل من أي تحرك مباشر مغامرة محفوفة بالمخاطر.

أما إسرائيل، فتتبنّى نهج الضربات الإستباقية كوسيلة لحماية أمنها القومي، معوّلة على تفوّقها التكنولوجي والدعم الغربي المستمر لها..

ومع ذلك، يبقى التوازن بين الطرفين هشاٌ
ويمكن لخطأ واحدٍ في الحسابات، أو لعملية عسكرية خارجة عن السيطرة،  أن تشعل فتيل مواجهة شاملة قد لا يرغبها أحد ... لكنها تظلّ إحتمالًا حاضراٌ، يتربّص في خلفية المشهد الإقليمي المتوتّر على الدوام  ...

مقالات الكاتب