نائبة مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز تقدم استقالتها عقب اغتيال زميلتها افتهان المشهري
أعلنت ارتفاع القباطي، نائبة مديرة صندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، تقديم استقالتها من منصبه...
تحدث الخبير الاقتصادي فارس النجار عن الدعم السعودي ومعركة الاستقرار الاقتصادي في اليمن
وقال النجار في منشور عبر حائط صفحته الرسمية بموقع فيسبوك:
دعم الأشقاء.. ومعركة الاستقرار الاقتصادي في اليمن
منذ أن توقفت صادرات النفط والغاز في أكتوبر 2022، دخلت المالية العامة للدولة اليمنية في حالة عسر مزمن، المورد السيادي الأهم، الذي كان يغطي أكثر من 70% من الإيرادات وأكثر من 90% من حصيلة الصادرات، انقطع فجأة، ومعه انكشفت هشاشة البنية المالية والاقتصادية للدولة. العجز لم يعد رقما مجردًا في تقارير الموازنات، بل صار واقعًا ملموسًا تجسد في تعثر دفع المرتبات لعدة أشهر، وفي تقلص القدرة على تغطية النفقات التشغيلية الأساسية، وفي انكماش قدرة الحكومة على التدخل لحماية المجتمع من تقلبات السوق، تقديرات رسمية تشير إلى أن الخسائر التراكمية جراء توقف الصادرات تجاوزت سبعة مليارات ونصف المليار دولار حتى منتصف 2025، بينما بلغت الخسائر السنوية نحو ملياري دولار. في ظل هذا الانقطاع، تمدد الاعتماد على الحوالات الخارجية، حتى صارت تمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي وتشكل ما بين 40 إلى 50% من تدفقات النقد الأجنبي إلى الداخل. وبالنظر إلى أن حجم النقد الأجنبي الداخل الى البلاد لا يتجاوز 8.5 مليارات دولار، يتضح أن حوالات المغتربين تغطي ما يقارب نصف هذا الرصيد، وتوفر شريانًا رئيسيًا لتمويل فاتورة الاستيراد السنوية التي تتراوح بين 11.5 و14 مليار دولار، منها نحو ثلاثة مليارات للمشتقات النفطية وحدها.
وتابع النجار في منشوره قائلاً:
لكن الاعتماد على الحوالات، رغم ضرورته، يبقى هشًّا. فهو مرهون بعوامل لا تخضع لإدارة الدولة المباشرة، من أوضاع اقتصادية في بلدان المهجر إلى سياسات أسواق العمل هناك. ولذا فإن التفكير الاستراتيجي يفرض على الحكومة واجب صياغة سياسة مستقبلية نشطة لتصدير العمالة الماهرة وتنظيمها، بحيث يتحول تدفق الحوالات من مجرد شبكة أمان اجتماعي إلى أداة تنموية تسهم في تعزيز النمو وتدعم الاستقرار المالي على المدى الطويل. فالهجرة المنظمة والمخطط لها يمكن أن تتحول إلى رافعة اقتصادية، بدل أن تبقى رهينة للصدفة أو لجهود فردية متفرقة.
في مواجهة هذا الواقع، لم تكن البلاد لتصمد دون تدخل الأشقاء، ففي أغسطس 2023، أعلنت المملكة العربية السعودية عن منحة مالية قدرها 1.2 مليار دولار عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وُجهت لدعم الموازنة وتمويل العجز والرواتب والنفقات التشغيلية وضمان الأمن الغذائي، مع هدف واضح لتثبيت سعر الصرف ومنع الانزلاق نحو خيارات تضخمية مدمرة. وقد شكلت تلك المنحة متنفسًا حقيقيًا، إذ ساعدت على تفادي السحب على المكشوف أو الإصدار النقدي الجديد، وهو ما كان سيقود إلى انهيار سريع في قيمة الريال ويضاعف معاناة المواطنين، إذ لم تكن المنحة مجرد رقم يضاف إلى حسابات الحكومة، بل كانت رسالة ثقة ودعم سياسي، إذ بدأ صرف الدفعة الأولى فور الإعلان، ووجدت الحكومة في ذلك هامشًا للحركة في لحظة كانت على شفا الانهيار.
واردف بالقول:
اليوم، وبعد مرور عامين على توقف صادرات النفط، جاء بيان وزارة الخارجية السعودية في 20 سبتمبر 2025 ليعلن عن دعم جديد يعادل 1.38 مليار ريال سعودي (نحو 368 مليون دولار) عبر البرنامج السعودي ذاته، موزعًا على ثلاثة محاور: دعم الموازنة، تمويل المشتقات النفطية، وتشغيل مستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن. هذا الدعم لا يُقرأ كمنحة مالية فحسب، بل كإشارة سياسية واقتصادية على استمرار الالتزام بمرافقة اليمن في مساره الإصلاحي، وتعزيز الثقة بأن هذا البلد، رغم جراحه، قادر على استعادة عافيته متى ما توافرت له أدوات السيادة المالية والإدارية. وهو في الوقت ذاته تأكيد على أن الدعم السعودي والإماراتي يتجاوز حدود المساعدات المباشرة ليصبح جزءًا من معادلة الأمن الإقليمي، حيث الاستقرار الاقتصادي لليمن يُترجم استقرارًا للمنطقة ككل.
وظيفيًا، توفر هذه المنح مساحة تنفّس غير تضخمية. فهي تسهم في تسوية التزامات عاجلة، في مقدمتها المرتبات المتأخرة، وتبقي خيارات التمويل الخطرة مثل السحب على المكشوف أو الطباعة النقدية خارج الطاولة، وهو ما يمنح البنك المركزي مساحة أوسع للتحكم في السيولة، ويحد من انتقال الضغوط النقدية إلى أسعار السلع والخدمات. لكن من المهم ان نشير هنا بأن من الخطأ التعامل مع هذه المنح كحل دائم، فهي في نهاية المطاف مجرد شبكات أمان مؤقتة أمام مشهد هيكلي شديد التعقيد. الفجوة في ميزان المدفوعات تجاوزت أربعة مليارات دولار، ومع غياب الصادرات النفطية تضاعف الضغط على العملة الوطنية وتقلص هامش المناورة لدى السلطات النقدية. لذلك فإن أي استقرار حقيقي لا يمكن أن يُبنى على المنح وحدها. المنح تمنح وقتًا وتشتري فرصة، لكنها لا تبني مستقبلًا.
المستشار النجار أوضح في منشوره قائلاً:
هذا المستقبل لن يُبنى إلا باستعادة الصادرات النفطية والغازية، ضمن ترتيبات أمنية ودبلوماسية تضمن حماية الموانئ وخطوط الأنابيب وعودة الشركات العاملة في مجال الخدمات النفطية. فعائدات النفط ليست مجرد مصدر إيراد إضافي، بل هي الركيزة التي تعيد التوازن الهيكلي لمعادلة المالية العامة وميزان المدفوعات. وإلى أن يتحقق ذلك، يظل الخيار الموازي هو تقليص الاعتماد على العملة الصعبة من خلال تشغيل مصافي عدن وحضرموت بشكل جاد لتغطية جزء من الطلب المحلي، بما يقلل فاتورة الاستيراد من المشتقات. بالتوازي مع ذلك، يصبح إصلاح الإدارة المالية ضرورة لا خيارً... أتمتة الأنظمة الضريبية والجمركية، ربط الفواتير إلكتورنيا، وتوحيد التوريد في حسابات البنك المركزي. هذه ليست تفاصيل فنية بل قضية سيادة مالية، إذ لا يمكن أن تصمد عملة وطنية بينما الإيرادات العامة تُسرب عبر قنوات موازية تخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية.
وفي قلب هذا المشهد تبرز أهمية إقرار الموازنة العامة للدولة، الموازنة ليست ورقة محاسبة، بل هي وثيقة سياسية واقتصادية تحدد أولويات الدولة وتكشف حجم العجز والإيرادات وتقدم خريطة طريق للحكومة وللمجتمع الدولي. في يوليو 2025 أصدر رئيس الوزراء قرارًا بتشكيل اللجنة العليا للموازنات العامة للسنة المالية 2026، وهي خطوة أولى، لكن الرهان هو على سرعة إنجاز هذه الموازنة وتحويلها إلى إطار عمل حقيقي لإعادة الانضباط المالي وتعزيز الشفافية. فلا يمكن للدولة أن تدير مواردها ونفقاتها بمنطق الطوارئ والارتجال، بل لا بد من موازنة معلنة تصبح مرجعًا للتقييم والمساءلة.
إلى جانب الموازنة، يظل تحرير سعر الدولار الجمركي نقطة محورية في معادلة الإصلاح. فالاستمرار في فرض سعر جمركي منخفض للسلع الكمالية يعني أن الدولة تتحمل عمليًا دعمًا غير عادل لمستوردي السيارات الفارهة أو الأثاث الفاخر، بينما تعجز في المقابل عن دفع رواتب موظفيها. المنطق الاقتصادي والعدالة المالية تحرير الدولار الجمركي، مع استمرار استثناء السلع الأساسية من غذاء ودواء. هذه الخطوة تعزز الإيرادات السيادية وتقلص فجوة العجز وتعيد توجيه الدعم إلى مستحقيه بدل أن يتحول إلى أداة لتكريس امتيازات ضيقة.
وعن الإصلاحات قال النجار:
غير أن الإصلاحات كلها، من الموازنة إلى الدولار الجمركي إلى أتمتة الأنظمة، ستظل حبراً على ورق إذا لم تتوقف مراكز النفوذ عن تعطيل القرارات الإصلاحية خدمة لمصالحها الضيقة. هذه المراكز دأبت على استخدام شعارات سياسية أو مناطقية لتبرير مقاومة الإصلاح، لكنها في الواقع تحافظ على امتيازاتها الخاصة على حساب الدولة والمجتمع. اللحظة الراهنة لا تحتمل هذا العبث. فالمعركة الاقتصادية في اليمن ليست مسألة أرقام وحسابات، بل هي في جوهرها معركة سيادة وطنية. والنجاح فيها يقتضي إرادة سياسية توقف التدخلات العبثية وتعيد بناء المؤسسات على أسس الشفافية والكفاءة والمساءلة.
ما يميز عام 2025 أن القيادة اليمنية أظهرت تحولًا في منطق إدارة الملف الاقتصادي. لم يعد الرهان على معجزات مؤجلة، بل على تحسين "اليوم الحالي" بقرارات واقعية. عادت المؤسسات السيادية إلى عدن بشكل أكثر انتظامًا، وانخفض منسوب الارتجال في القرار الاقتصادي، وصار البرنامج الإصلاحي يحظى بدعم إقليمي ودولي أوضح. المنح السعودية والإماراتية لم تعد تُصرف في فراغ أو تتحول إلى وقود جديد للهدر، بل صارت مرتبطة بمسار إصلاحي واضح، يعزز من ثقة الشركاء الإقليميين والدوليين في قدرة الحكومة على استعادة زمام المبادرة.
مختتماً منشوره قائلاً:
ومع ذلك، تبقى العقدة الأكبر في السياسة أكثر منها في الاقتصاد. فالتوريد المنتظم للإيرادات إلى البنك المركزي ليس مجرد إجراء إداري، بل هو اختبار لسيادة الدولة. لا يمكن أن تصمد المالية العامة بينما الحسابات تُدار خارج المنظومة الرسمية. ولا يمكن أن يُحافظ على قيمة العملة الوطنية بينما أدوات السياسة النقدية تُفرغ من مضمونها. هذه الحقيقة ينبغي أن تُقال بصراحة، لا استقرار مالي من دون سيادة مالية، ولا إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي يضع المصلحة العامة فوق الحسابات الفئوية.
خلاصة القول إن الدعم الذي أعلنته الرياض في سبتمبر 2025 يمنح اليمن وقتًا ومساحة للحركة، لكنه لا يشتري المستقبل. المستقبل يبنى باستعادة المورد السيادي النفطي والغازي، وبإقرار موازنة عامة شفافة تعيد الانضباط المالي، وبإصلاح إداري رقمي يغلق منافذ التسرب، وبإرادة سياسية توقف مراكز النفوذ عند حدود المصلحة العامة. عندها فقط تتحول المنح من مسكن مؤقت إلى جسر آمن نحو استقرار مالي ونقدي مستدام، يعزز ثقة المواطن أولًا، ثم ثقة الشركاء الإقليميين والدوليين في أن اليمن قادر على النهوض من كبوته متى ما امتلك القرار الوطني الحر والرؤية الاقتصادية الواضحة.