عندما تصبح الدولة أهم من الشعارات

ما يحدث في حضرموت والمهرة، ليس حدثاً محلياً معزولا، بل هو اختبار حقيقي لقدرة نموذج الحكم في اليمن على الصمود بعد الحرب.. فالسؤال الجوهري لم يعد: من يسيطر على ماذا؟ بل: هل ما يزال مشروع الدولة قادراً على الصمود أمام تمدد قوى الأمر الواقع؟.

لذلك ارى ان الرئيس الدكتور رشاد العليمي يواجه معادلة شديدة التعقيد، اولا شرعية دولية ينبغي الحفاظ عليها، وتحالفات إقليمية يجب صونها، ثم مجتمع منهك لا يحتمل صدامات جديدة، ثم مكوّنات داخل الشرعية لكل منها مشروعها، ورؤيتها وسلاحها.

في مثل هذه اللحظات، يسقط كثير من القادة في فخّ الرد العاطفي، أي اتخاذ قرارات سريعة تُرضي جمهوراً غاضباً، لكنها تغامر بالمكاسب المحققة دفعة واحدة، وتدمر الدولة على المدى البعيد.

ما يميز تعاطي الرئيس العليمي مع الأزمة أنه لم ينزلق إلى رد الفعل، بل تمسّك بمنهج الاحتواء السياسي.

ولذلك فما يعتقد انه صمت عن مايجري، ينطوي على حنكة ان كل متغير خارج سياق الدولة، ورؤيته لمستقبل البلاد هو اجراء بلا قيمة، و لا يجب الاكتراث له طالما كان بعيدا عن القانون ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وهذا متطابق تماما مع الموقف في ادارة ازمة القرارات الاحادية للمجلس الانتقالي.

وفي اعتقادي ان الرئيس الدكتور رشاد العليمي، كان واضحاً في موقفه من التوازنات في حضرموت، عندما عرض منذ وقت مبكر إعادة تموضع القوات في المحافظة وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم واعتبار ذلك ليس تنازلا، بل استثمار في الاستقرار طويل الأمد، لكن هذا العرض لم يقبل في حينه للاسف.

أما الحديث عن الانفصال بالقوة، فهو في عالم اليوم وهم سياسي أكثر منه مشروعا قابلا للحياة.. التجارب حول العالم تقول إن إعلان الدول أسهل من بنائها، وأن توسيع سلطات الأمر الواقع لا يصنع سيادة، بل يصنع عزلة اوسع نطاقا.

الأخطر من ذلك أن أي صراع داخل معسكر الشرعية اليوم هو عمليا، هدية مجانية للمليشيات الحوثية، فهو هو يمنحها الوقت، ومدخل للحشد والتعبئة، والشرعية غير المباشرة، والفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم.

من هنا، فإن عقلانية الرئيس في التعاطي مع التطورات العسكرية، حتى عندما اختارت بعض الوحدات العسكرية التسليم دون قتال، كانت رسالة مفادها، أن الدم اليمني أغلى من أي مكسب سياسي مؤقت.

لان الدروس التي تعلمناها على مدى سنوات تؤكد بوضوح أن اليمن لا يحتاج إلى خرائط جديدة بقدر ما يحتاج إلى استعادة مؤسسات دولته الوطنية، والعمل على نقل مواطنيها من واقع الخراب الى فضاء الامن والاستقرار، وتمكينهم من اختيار مركزهم السياسي بعيدا عن الضغوط، او منطق الغلبة والاستقواء.

مقالات الكاتب