تهامة بين الظل والضوء مئة عام من الاقصاء واليوم هي قلب الحل السياسي اليمني ومستقبل الدولة
منذ ان قررت الجيوش الزيدية اجتياح تهامة في عام 1919 لم تكن الغاية توحيد الارض بل اخضاع الانسان التها...
قد تظهر تسميات تجسد تفاعلات ظرفية كأن توصف العلاقات بكونها شللية أو تُقرأ الانتماءات في إطار سلالي أو مناطقي ضيق للغاية غير أن هذه التصنيفات مهما اكتسبت من حضور عابر تبقى ظلالًا ضمن مشهد أوسع وأعمق وأخطر فالقضية التهامية بما تنطوي عليه من تراكم تاريخي وامتداد نضالي لا يمكن حشرها في هذه الزوايا المصطنعة ولا اختزالها في صراعات تافهة أو تحالفات مغشوشة لأنها قضية شعب وهوية وتاريخ ومنظومة ظلم ممنهج تمتد من قرون التسلط الإمامي حتى تحالفات الجمهورية الورقية التي أعادت إنتاج الهيمنة بصورة مدنية سطحية
ليست تهامة ساحة صراع داخلي وخارجي فقط بل ساحة اشتباك بين مشروعين مشروع يسعى للكرامة والتحرر والانعتاق من قبضة المركز الهضبوي الزيدي ومشروع آخر يلتف بعباءات متنوعة ليبقي تهامة رهينة الجغرافيا المكسورة والإقصاء المتعمد والاستثمار السياسي طويل الأمد لموقعها وسكانها وتاريخها وكلما حاولت تهامة النهوض أعيد تكبيلها لا من الخارج الهضبوي فحسب بل بالأدوات المصنوعة محليا والتي تم زرعها داخل الجسد التهامي بوعي تام من صناع الهيمنة الزيدية
فما تواجهه تهامة اليوم ليس فقط بقايا نظام زيدي قديم أو مركزية فاسدة أو مشاريع موازية تخشى التعدد بل منظومة إقصاء متكاملة تعمل على اختراق الوعي التهامي من الداخل وحقن جسده النضالي بأدوات مصنعة خصيصا لتشويهه وتفكيكه ومنع تشكله كمشروع وطني مستقل قادر على الوقوف بندية أمام مراكز القوى .
وفي كل محطة مفصلية في تاريخ تهامة تظهر الأدوات الهشة والأدوات التي لا جذور لها ولا انتماء حقيقي للأرض التهامية أدوات صنعت في مطابخ صنعاء الزيدية أو استنسخت في لحظات ضعف سياسي لتكون بيادق مؤقتة مهمتها الوحيدة ضرب النضال التهامي وتشويهه وتحجيمه تحت لافتات براقة ومواقف مطاطية لا تصمد أمام اختبار الانتماء والصدق والميدان
لقد تحولت تهامة إلى ساحة استثمار سياسي مفتوحة أمام أدوات تم تجنيدها لإجهاض أي محاولة تحرر حقيقي أدوات تم صناعتها في مطابخ الهضبة أو في دوائر حزبية لتكون أذرعا لاحتواء التهامي لا لتمثيله ولتدجين صوته لا لحمايته .
والمأساة الكبرى هي محاولات الإجهاض لم تكن تأتي فقط من سطوة المركز الزيدي بل كانت بعض الأوقات من خاصرة المشروع التهامي نفسه من أولئك الذين يتحركون بتعليمات تصاغ خارج تهامة ويسقطونها على واقع لا ينتمون إليه هؤلاء ولا يعيشون الأرض كهوية بل كوظيفة ولا يرون في التهامي سوى أداة حشد أو رقم انتخابي أو سلعة تفاوضية في لعبة مصالح مع أطراف تمتد جذورها في عمق الهضبة الزيدية الممعنة في التسلط .
وكل تحرك تهامي أصيل جرى إجهاضه من الداخل قبل أن يُقمع من الخارج وكل صوت نقي خرج من رحم المعاناة جرى تشويهه محليا قبل أن يُستهدف مركزيا هذا النمط التراكمي من الخيانة هو ما يجب إسقاطه اليوم دون تردد أو مجاملة لأن بقاءه هو الضمان الوحيد لاستمرار التبعية للهضبة الزيدية .
والخطورة لا تكمن في المواجهة الظاهرة بل في الطعن المستتر حيث يتم تسويق المشاريع الزائفة من داخل البيت التهامي نفسه ويتم حقن الساحة بخطابات ناعمة ومختلة تحاول كبح النهوض لا بمواجهته وإنما بتفكيكه من الداخل بتكريس الانقسام وصناعة الخصومات الهامشية وتوجيه البوصلة نحو معارك تافهة بينما يترك العدو الحقيقي يراكم سلطته ويعيد هندسة السيطرة بوجوه جديدة وأدوات محلية أكثر طاعة وأقل انتماء .
والمؤسف أن هذه الأدوات ما زالت تمنح المنصات وتدفع إلى الواجهة في كل لحظة مفصلية بل وتفرض على المشهد باعتبارها واجهات تمثيل في حين أن دورها الحقيقي لم يتجاوز في أي لحظة كونها أدوات تأجيل واحتواء وتفريغ للمضمون الثوري التهامي .
وإذا كانت هناك لحظة لا بد فيها من إعادة تعريف الاصطفاف التهامي فهي الآن ولا مكان لمن لم يدفع ثمنا في ميدان النضال
ولا مكان لمن لم يخسر شيئًا لأجل تهامة لا مكان لمن يتحدث عن الوطن بينما يتغذى على مخصصات الخصم ويستلم راتبه من أدوات المركز
تهامة يجب أن تبدأ أولًا من نفسها من فرزها الداخلي من رفضها الصريح لكل تمثيل زائف من كشفها لكل علاقة مشبوهة وكنس لكل واجهة ناعمة تم تصنيعها في غرف القوى المركزية وسوقت كصوت تهامي وهي لا تمتلك من الهوية إلا الاسم ومن القضية إلا الاستثمار
المرحلة القادمة لا تقبل أنصاف المواقف ولا منطق التوازنات ولا خطاب التعايش مع الأدوات الفاسدة فالتمكين لا يمكن أن يكون حقيقيا إلا إذا بدأ من الداخل وارتكز على الوعي الشعبي ورفض استمرار صناعة المشهد التهامي خارج تهامة نفسها .
وكل من لم يكن صادقا مع هذه الأرض يجب أن يسقط سياسيا وتهامة يجب أن تعلن بصوت عالى أن زمن الوصاية قد انتهى وأن لا تمثيل إلا من الجذور ولا صوت إلا من الأرض ولا ولاء إلا كرامة الناس