شبوة و مجلسها الجديد
كانت شبوة يوم الثلاثاء الماضي على موعد مع قدرا جميلا في حياتها ، وتاريخها السياسي المعاصر ، طال انتظ...
في عالم الأخبار، ثمة نصوص تقف عند حدود الإبلاغ، وأخرى تتجاوز ذلك إلى مستوى التأسيس لوعيٍ جديد، ورسم معالم مرحلة قادمة.. ومن هذا النوع الأخير، كان الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) مساء الاثنين، عن لقاء فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، برئيس وأعضاء لجنة المصالح المجتمعية في محافظة تعز.
الخبر لم يكن مجرد سردٍ لوقائع بروتوكولية، بل انعكاسٌ لتحول نوعي في خطاب الدولة، كما جاء على لسان رئيسها، لقد عبر اللقاء عن مقاربة سياسية عميقة تتجاوز الظرفي والعابر، إلى قراءة استراتيجية لتعز، باعتبارها محورًا في معادلة استعادة الدولة، لا هامشًا في حسابات التوازن.
تحدث الرئيس عن تعز، لا بوصفها مدينة جريحة فقط، بل باعتبارها مرتكزًا تاريخيا ووطنيا لمشروع الجمهورية، ومنطلقًا ضرورياً لأي تسوية جادّة أو نهوض وطني شامل.. وبفهم رجل الدولة الذي يعي طبيعة المجتمع وتعقيدات المرحلة ، شدّد على أن إعادة الاعتبار لتعز ليست مجاملة جغرافية، بل خطوة لازمة لإعادة ضبط بوصلة المشروع الوطني.
وكان فخامة الرئيس في كلماته، يعيد توجيه الأنظار نحو تعز كحالة رمزية وميدانية في آنٍ معًا.. مدينةٌ تختزن في ذاكرتها النضالية وشوارعها المقاومة بذور الخلاص الوطني، وتكثف في مشهدها المعقد معضلات اليمن وآماله.. وهي في نظره ليست عبئًا على الدولة، بل فرصة لإعادة تأسيسها من جديد.
إن مقاربة الرئيس لا تُعوّل على حلول جاهزة، ولا تستجدي مخرجًا من الخارج، بل تنطلق من الإيمان بأن التعافي الوطني يبدأ من الداخل، من تصحيح مسارات القوى الوطنية، لا سيما في تعز، باعتبارها معقلا تاريخيا للفعل السياسي المقاوم، ومسرحا لا غنى عنه لإعادة بناء التوافق الجمهوري الجامع.
فخامة الرئيس لم يقرأ تعز قراءة رومانسية، بل قرأ تعقيدها بوعي رجل الدولة، الذي يميز بين الشعارات العابرة، ومركز الثقل في معادلة البناء الوطني.. رأى فيها نقطة البدء لا مجرد محطة، وقرأ في أوجاعها مشروعا للشفاء، لا سردية للبكاء.. أعاد وضعها في موقعها الطبيعي كقاطرة للتغيير، لا كضحية تبحث عن مواساة.
ومع هذا التوصيف العميق، كان الرئيس يؤسس، بوضوح ودراية ، لفهمٍ مختلف لتعز، يضعها في قلب مشروع استعادة الدولة، لا على هامشه، ويمنحها شراكةً أصيلة، لا دورا ديكورياً في التسويات.
لقد قدم العليمي رؤية سياسية ترتكز إلى الداخل، وتعوّل على ترتيب الصف الجمهوري من نقطة قوته الحقيقية، لا من هشاشة الأطراف.. وهي رسالة تتجاوز النخبة إلى الجمهور، وتدعو كل القوى الوطنية إلى إعادة التفكير في مواقفها، وتموضعها، ومسؤوليتها أمام الوطن الذي لا يملك المزيد من ترف التشظي.
ان ماقاله فخامة الرئيس في دقائق معدودات، يجب ان يقرأ كوثيقة سياسية لا خبر عابر.. وثيقة تفتح نقاشًا جادًّا حول مكانة تعز، لا في جغرافيا الحرب فقط، بل في خريطة الحل أيضاً.. فكما كانت مفتاح الثورة والجمهورية، تظل اليوم مفتاح الخروج من الأزمة، متى ما أعيد الاعتبار لها ، قولا وممارسة، دعما وتمكينا، لا تعاطفا ظرفيا ولا مجرد زيارة رمزية.
و ختاماً.. فان اعادة بناء الدولة لن تكون ممكنة دون اعادة بناء علاقاتها بتعز، لا بوصفها ملفا انسانيا او سياسيا مؤجلا، بل باعتبارها نقطة البداية، والشرارة التي تلهب التحولات الكبرى الوطنية، وتعمل على انضاجها.
و في تعز، كما المح الرئيس ببصيرة العارف.. لا تزال جذوة الجمهورية حية، تنتظر فقط من يحسن قراءتها، ومن يملك الشجاعة لاستدعائها إلى مركز القرار، حيث يُصنع المستقبل.