السيرة الغائبة للنائب العام القاضي قاهر مصطفى: إصلاحات وإنجازات في النيابة العامة
مسيرة إصلاحية حافلة تستحق التوثيق والتقديرفي خضم التحديات التي عصفت بمسار العدالة في اليمن، وفي مشهد...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد..
في زمن كثرت فيه الأصوات وتنوعت فيه المحتويات، يبقى المؤمن بصيراً، يعلم أن كل كلمة يكتبها، وكل صورة ينشرها، وكل إعجاب يسجله… شهادة تُرفع للسماء
في زمنٍ طغى فيه العالمُ الافتراضي على واقعنا، وأصبحت منصّات شهيرة مثل: (Facebook، WhatsApp، Instagram، Telegram، إكس (X)، TikTok) وغيرها جزءاً من تفاصيل يومنا، يبقى السؤال الأهم:
كم من ساعاتنا تُكتب في ميزان حسناتنا، وكم منها تذهب هباءً؟
إنّ تحويل هذا العالم الرقمي إلى بستان من الحسنات ليس أمراً مستحيلاً؛ بل هو توفيق من اللَّه، يحتاج إلى نية صادقة، وانضباط، وحسن استخدام.. ونجعل كل نشرة وإعجاب وتعليق خطوة نحو رضوان اللَّه تعالى:
أولاً: انطلق من بوابة النيّة الصالحة
قبل أَنْ تفتح أي تطبيق، جدد نيتك.. فالنية هي المفتاح الذي يحوّل العادة إلى عبادة..
اجعل دخولك إلى مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً لرضا اللَّه، واجعل من تصفحك وسيلةً للخير، كأن تنوي:
· نشر العلم النافع والدعوة إلى اللَّه.
· صلة الأرحام ومتابعة أحبابك في اللَّه.
· تثبيت أخيك المسلم بكلمة طيبة.
· دعم القضايا العادلة، ومساعدة المحتاجين.
فالعمل اليسير يعظُم بالنية، والنية الخالصة ترفع العمل مهما كان صغيراً.
ثانياً: كن بستاناً للخير… لا مكبّاً للغثاء أو الثرثرة
كن صاحب أثر طيب في عالم مزدحم بالمحتويات المتباينة.. وازرع ما ينفعك عند اللَّه، واحرص أَنْ يكون محتواك:
· منشورات مفيدة: آية كريمة، حديث شريف، مقال هادف، مقطع ديني أو علمي أو قانوني أو طبي فيه توعية وبناء.
· كلمة طيبة: دعوة للخير، كلمة إصلاح بين الناس، تشجيع للمحتسبين، بث روح الأمل.
· إنجازات محمودة: الإعلان عن مشروع خيري، أو مساعدة ملهوف.
واجعل حضورك الرقمي رسالة، لا ثرثرة؛ وبناءً، لا جدالاً؛ ونوراً، لا دخاناً.
ثالثاً: احذر فخاخ الشيطان في العالم الافتراضي
قبل أن تنشر أو تعلّق أو تضغط "إعجاب"، اسأل نفسك:
"هل هذا يرضي اللَّه؟"
وتجنب:
· الغيبة والنميمة: فمشاهدة أو نشر ما يسيء لعرض أحدهم من كبائر الذنوب.
· إضاعة الوقت: الوقت رأس مالك، فلا تُهدره في متابعة ما لا يفيد.
· الإعجاب بالمنكر: لا تُعجب بمنشور يخالف شرع اللَّه، فالإعجاب مشاركة، وربّ مشاركة صغيرة تُكتب عليك ولا تشعر.
رابعاً: ليكن في صفحاتك ذِكرٌ لله 🤲
غيّر وظيفة منصّاتك، واجعلها فضاءً للذكر والتذكير:
ذكّر نفسك وإخوانك بالله، وشارك في المجموعات الهادفة، وانشر ما يرقّق القلوب ويرفع الهمم ويقرب من الآخرة، وادعُ إلى الخير في كل مناسبة،استخدم المنصات في نشر الذكر والتسبيح.
خامساً: الدعاء سِرُّ التوفيق
كما دعوت في بدايتك، داوم على أَنْ تقول:
"اللَّهُمَّ اجعل ما أنشره خالصاً لوجهك الكريم، واجعله نوراً لي يوم ألقاك.."
فإذا بارك اللَّه في نيتك، بارك في أثرك.
سادساً: ازرع أثراً يبقى بعد رحيلك
من أعظم مزايا العالم الرقمي أَنَّ أثرك يبقى حتى بعد موتك.. فكل منشور نافع، وكل تلاوة، وكل حديث، وكل نصيحة قانونية أو إيمانية، تبقى شاهدة لك.
قَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: منها.. أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ).[رواه مسلم].
فاحرص أَنْ يكون حسابك مكتبةً من الخير تجري لك حسناتها ما دام الناس ينتفعون بها.
سابعاً: انضباطك الرقمي عبادة
الخلل ليس في وسائل التواصل، بل في طريقة إدارتها.
ضع لنفسك قواعد تحفظ قلبك ووقتك، مثل:
· تحديد أوقات للتصفح لا تتجاوزها.
· تخصيص وقت يومي للنشر المفيد فقط.
· متابعة الحسابات الراقية وترك أصحاب الجدل واللغو.
فالإدارة الواعية للوقت نعمة من اللَّه وعبادة قلبية جليلة.
ثامناً: كن قدوة في التعامل الرقمي
وجودك على وسائل التواصل الاجتماعي ليس مجرد منشورات؛ إنما هو صورة إيمانية وأخلاقية وقانونية عنك،تمثل الأخلاق الإسلامية في كل تفاعلاتك، فاحرص أَنْ تكون قدوة في:
· أدب الحوار (استخدم اللغة المهذبة في الحوار).
· احترام آراء الآخرين (الرد على التعليقات بروح إيجابية).
· حسن الردود ولطف الأسلوب
· تجنب الجدال العقيم.
· إيصال المعلومة دون تجريح أو تهويل.
فالخلق الحسن في العالم الافتراضي لا يقل أجراً عن الخلق الحسن في الواقع.
تاسعاً: حوّل متابعتك إلى عبادة
اجعل من متابعتك للآخرين مصدراً للأجر:
· تابع العلماء والمربين والمثقفين للاستفادة.
· أدعم صفحات الخير بنشر محتواها.
· أشكر أصحاب المنشورات المفيدة ومشاركتها.
عاشراً: مراجعة النفس نهاية اليوم
قبل أَنْ تغلق هاتفك كل ليلة، اسأل نفسك:
"هل كانت صفحتي اليوم باباً للخير أم باباً للغفلة؟"
وإنّ شعرت بالتقصير، فاستغفر… فالله يحب التوابين ويبدّل السيئات حسنات.
خاتمة
أخي الحبيب، أختي الفاضلة:
لا تستهين بأجر كلمة طيبة تنساها، ولكن اللَّه يرفع بها درجاتك، أو بها يُمحى عنك سيئة..
لا تستهين بإعجابك على منشور خير، فربما كان سبباً في حصول أجر كبير.
لا تستهين بقدراتك الرقمية، فكل ضغطة زر يمكن أن تتحول إلى صدقة، وكل منشور يمكن أن يكون دعوة، وكل إعجاب يمكن أن يصير تشجيعاً للخير.
اجعل من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وسائل تعينك على الطاعة، لا معصية تبتعد بها عن اللَّه، اجعلها جسراً للخير، لا حاجزاً بينك وبين ربك.
فاختر ما يليق أن يُعرض على اللَّه..
واجعل من صفحاتك جسراً يعبر عليه الناس إلى الخير…
ورصيداً يبقى لك بعد الرحيل…
ونوراً يضيء صدور من يقرأ…
وحسناتٍ تجري عليك ما دام للعالم الافتراضي وجود.
قَالَ تَعَالَى:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ).[الزلزلة: 7].
قاضي أنيس صالح جمعان
١٨ نوفمبر ٢٠٢٥م