"أمن الثورة".. جهاز لخنق المجتمع لا لحمايته

من يقرأ التجربة الإيرانية، أو يتابع أداء "حزب الله" في لبنان، يدرك أن "تعدد الأجهزة الأمنية في البنية الحوثية ما هو إلا تكتيك مستنسخ لضمان الولاء وتعويم الصلاحيات وإبقاء السيطرة الحصرية بيد "الزعيم".
أعلنت الميليشيا الحوثية عن استحداثها لجهاز أمني جديد، أطلقت عليه مسمى "أمن الثورة"، ليكون مشابهًا في دوره وسلطته لجهاز الاستخبارات الإيراني، ومؤكدًا على أن اليمن يُدار اليوم من تحت العمامة السوداء، لا من داخل المؤسسات اليمنية.
المفارقة الكبرى هنا هي اختيار ميليشيا الحوثي لتوجيه أجهزها الأمنية نحو الداخل اليمني، وهي تردد شعاراتها وتشير خطاباتها لخصومٍ سياسية وعسكرية خارجية، فبينما تشير إلى "العدوان" وتهاجم أمريكا تارة وإسرائيل تارة أخرى، تمارس أبشع أشكال الاستبداد ضد أبناء جلدتها.
هذه المفارقة تفضح جوهر المشروع الحوثي القائم على ترهيب المواطن، لا مواجهة العدو، ترى الميليشيا الحوثية أن المواطن اليمني هو التهديد الحقيقي لأنه يحمل وعياً جمهوريًا، ويرفض التوريث السياسي ويعاند الانتماء القسري لسلالة، ولذلك تسعى عبر هذه الأجهزة إلى محو أي إمكانية لتكوين وعي بديل أو حراك اجتماعي.
يعكس مسمى "أمن الثورة" بحد ذاته محاولة الميليشيا الحوثية لتأصيل شرعية مغتصبة وتبرير عمليات القمع باعتبارها ضرورة لحماية "الثورة المقدسة"، وأي قدسية في ثورة تجوّع الناس وتصادر رواتبهم وتمنع التعليم وتمنح الامتيازات لسلالة حاكمة على حساب الغالبية العظمى؟
المقلق أكثر أن هذا الجهاز لا يُبنى فقط لزمن الحرب بل لما بعدها، فالميليشيا تستعد مبكرًا لتأمين قبضتها الأمنية على أي مرحلة انتقالية أو تسوية سياسية محتملة، وتريد أن تدخل أي مفاوضات وهي تملك أدوات الدولة العميقة، التي لا يمكن تفكيكها بسهولة.
في الوقت الذي يحلم فيه اليمنيون بدولة قانون ومؤسسات، تمضي ميليشيا الحوثي في بناء كيان أمني طائفي يقمع ويزرع بذور الانقسام الأهلي.
جهاز "أمن الثورة" ليس إلا وجهًا جديدًا لنفس مشروع الإمامة القديم، وإن لم يتم تفكيك هذه البنية الأمنية الموازية وتحجيم نفوذها، فسيكون أي حديث عن السلام في اليمن محض سراب.