صحفي “هذا المشروع في اليمن اكتمل نضوجه فعلياً”
قال الصحفي محمد حسين المسبحي إن مشروع الدولة الاتحادية في اليمن اكتمل نضوجه فعليا وبشكل طبيعي...
حقًّا، إنَّه لأمرٌ مدهشٌ أن تقرأ هذا الكتاب، الذي صاغ من السيرة مئذنةً تُصلِّي فيها المعاني بخشوعٍ يمانيٍّ قديمٍ، وقلَّما نجد من يُجيد فعل ذلك، فطوبى لقلمٍ خطَّ سطوره بمهارةِ فائقة ووحيٍ من الله.
في { سيرة الحاج أحمد هائل سعيد}
يخيَّل إليك أن الله حين خلق الخبز والأُدْم، انبثق من رحم البركة رجلٌ تتماهى ملامحه مع العمل، وتفيض سكينته بالدعاء، كأنَّه سيرةٌ تمشي على الأرض بنورٍ من الصبر والكرم.
وُلِدَ أحمد هائل من نَسغٍ جبليٍّ عتيق،
من بيتٍ يتماسك كما تتماسك سورةٌ بين دفتي مصحف..
من عائلةٍ متماسكةٍ كأسوار القلاع، منيرةٍ كقنديلٍ يحرس ليالي القرى الجبلية..
تَفَتَّحَ وعيه بين المعلامة التي تعلَّمُ الحروف بدموعِ الطباشير،
والمثابرة التي تزرع على السبورةِ سنابل من احتمالاتِ النهوض.
هي تلك المداميك ذاتها كانت أول حجارةِ الفجر،
وأول هندسةٍ للروح في معمار رجلٍ قَدَرُهُ البناء دونما تنهيدة.
كبر كأنَّ الريح تسنده…
وفي أصابعه إصرار الماء حين يشق الصخور بصفيرٍ صامت..
كبر هكذا كزهرةٍ تشق الاسمنت بإصرارٍ خرافيٍّ على التنفس.
أيقنَ أن المعرفة وحدها تُورِق، وأن العمل جذرٌ لا ينام في العراء.
ومن تلك القناعة بدأت أساسات الشخصية تقيم جدرانها في صدره .. جدارٌ من حلم، وجدارٌ من حديد، وجدارٌ من صلاةٍ طويلةٍ على محراب العزائم.
ثمّ جاءت الرحلةُ الأولى إلى الغياب،
فكان ذلك الاغتراب الذي صَنَعَ منه مرايا للعودة.
في السفينة كان البحرُ يبتلعُ المسافة،
وكان هو يبتلعُ الخوف.
مهاجرٌ يُوَزِّعُ على الموج وجع الأرض..
وكلما تكسرت رغوة عند قدميه؛
كان يشعر أن الوطن يكتب له وصيةً في الملح.
في مصانع الغربة، حين تعزف الماكينات موسيقى الحديد..
كان يسمع نبض اليمن يتردد بين الجدران..
يعيد قولبة التعب على شكلِ خبرةٍ،
ويصنع من الشقاءِ مقياساً لجودةِ الحلم.
واجه العواصف العاتية بوجه لا يخاف الريح..
إنما يشاغبها بابتسامةٍ خاليةٍ من الرهبة.
كملاكٍ أضاع جناحاً فصنعه من صبر نبيٍّ قديم،
كذلك كان يمشي بين بياض الرغبة والطموح وسواد الواقع...
وفي تلاقي المعرفة والعمل نسجَ قصة بناء الذات..
في تجربة الدكان... حين كان الرغيف مقياساً للكرامة،
أثبت أن البدايات الصغيرة ليست إلا مرايا تجرب فيها الأيام صبر الرجال...
فمن الدكان الصغير خرج نبي التجارة الحديثة..
يعجن الخبز بيدٍ، ويكتب على جدارِ الغروب معادلات المستقبل.
من عدن اليمن إلى بربرة الصومال..
خيطُ الاغتراب يمتد كوترٍ مشدودٍ بين طرفي الصبر...
سلاسل التحديات كانت أثقل من الحديد،
لكنهُ صعدها كمن يتوضَّأ بالعرقِ إلى فجرٍ جديد..
وفي قِمَّةِ النهوض كان سُلَّم النجاح يتهيَّب خطواته.
لقد حَوَّلَ التجربة إلى مؤسسة..
والاسم إلى راية…
ومن هائل سعيد وإخوانه، انبثق مشروع وشركاه..
تجلى فيه الوطن كمعملٍ كبيرٍ يطحن الفقر ويعجن الكرامة.
تلك كانت قصة الجيل الصاعد من الريف إلى الريادة..
جيلٌ نهض من ريفٍ كان يظن نفسه آخر الأرض...
جيلٌ أعاد تعز من هامشِ العزلةِ إلى قلبِ النهضة.
وحين مدَّ بين عدن وتعز جسراً من العملِ والنية،
كان يبني أول خريطة من تعبٍ يتكلَّمُ بِلغةِ التنمية.
ومن بيت عدن إلى بيت اليمن السعيد..
تحققت إدارةٌ تشبه هندسة القلب حين يُوَزِّعُ الدم بِعدالةٍ على الأطراف...
إنه مع رفيق دربه الحاج علي محمد سعيد — أطال الله بقاءه —
شَكَّلا جناح طائرٍ يمانيٍّ حلق من تعز إلى عدن..
ومن عدن إلى أطراف المعمورة
ذهبا يبنيان إمبراطوريةً من ضوءٍ وضمير.
وجعلا من تجارتهم رسالةً تعيد للكرامة ملامحها، وللخير وجهه الرباني الخالص.
ثم كان التوسع من اليمن إلى أنحاء العالم..
الأماكن التي فيها تلتقي البركة بالتدبير،
ويتحول العرق إلى ريادةٍ اقتصاديةٍ خارج الحدود…
تُمسِكُ بيدِ الإنسانِ قبل أن تُمسِكَ بالميزان.
الإرث الذي خلَّفهُ لم يكن حِكراً على المال فحسب...
فقد أورثهم خُلقاً ونبلاً وإيماناً صادقاً يهتدي به من بعده الطريق..
وفكراً يكمل نفسه في الجيل التالي..
فالذين جاؤوا بعده حملوا النبوءة في أيديهم..
يمضون على خطاه كأنَّ الطريق ما زال يشتاق إلى وقع قدميه.
وأصبح الاسم: أحمد هائل… أكبر من أن يقتصر في حروفٍ على لوحاتِ المصانع والتجارة...
إنه ضوءٌ مقيمٌ في ذاكرة الوطن.
كأنه ما زال يزرع القمح في قلوبِ الناس،
ويُوَزِّعُ الرغيف على موائد الفقراء بسخاء الآلهة..
إنه رحمة الله التي ألقاها على أرض اليمن السعيد…
واعتذارٌ إلهي من هذا الوطن المضرج بِالوجع..
إنه مواساة السماء…!