الجرائم الإقتصادية والإجتماعية لحرب صيف عام 1994م
الكاتب : أمين محمد شرف الخرساني مدير عام مكتب الاعلام بمحافظة تعز تعودوا على الولوغ في دم...
مصطفى ناجي الجبزي
استطاعت الأجهزة الأمنية في تعز، خلال أيام قليلة من مقتل أو اغتيال المرأة الحديدة والشجاعة افتهان المشهري، أن تُلقي القبض على عدد لا بأس به من المطلوبين في قضايا جنائية سابقة، بعضهم ينتمي إلى وحدات عسكرية أو ما يُسمى بـ"المقاومة" وكانوا متهمين ومطلوبين في جرائم سابقة.
لم تكن الحملة الأمنية سهلة، إذ واجهت اعتراضات ومقاومة، فقدت خلالها الوحدات الأمنية بعض رجالها بين قتيل وجريح. هؤلاء الأبطال دفعوا حياتهم ثمناً لواجب أمني، ويجب أن يُنظر إليهم بكل إجلال واعتزاز.
أرى أن هذا النجاح، رغم أهميته، يعاني من هشاشة، لأن الدافع وراء الحملة وظروف نجاحها كان ظرفيًا، جاء نتيجة ضغط شعبي ورغبة عدة أطراف في معالجة بعض الاختلالات الأمنية واحتواء الموقف.
إلا أن هذه الحملة لا تخفي حقيقة أن المؤسسة الأمنية نفسها تعاني من هشاشة بنيوية، بحكم علاقات القوة القائمة بين مختلف الفاعلين في المشهد السياسي والأمني بمدينة تعز.
بعض أفراد الأمن صرّح أن نجاح الحملة كان بفضل تعاون بعض الشخصيات العامة ذات النفوذ في أوساط المطلوبين امنياً. بمعنى آخر ان المؤسسة الامنية لا تمتلك الموارد ولا السلطان الذاتي لإنفاذ القانون.
هذه التصريحات سلاح دو حدين وبقدر ما يراد منها الثناء على تعاون بعض الأعيان وذوي النفوذ في تسليم او التخلص وقتل بعض المطلوبين إلا أنها تدينهم من حيث لا تحتسب.
فالذي استطاع تيسير عمل الحملة كان قادراً وسيكون على وضع العراقيل أمام الأجهزة الأمنية لأنه صاحب الكلمة العليا وهو المريد لما سيكون عليه الوضع الأمني. وتحركه الأخير لصالح الحملة الامنية إنما لأنه تحت ضغط شعبي ولأنه قرر هذه المناورة التي قد يضمن نتيجتها.
وعليه، ينبغي وضع كل الاحتياطات اللازمة لضمان بقاء المحتجزين تحت سلطة الأجهزة الأمنية وخارج أي نفوذ أو وساطات. وأولى الضمانات هو توجيه الحراك الشعبي نحو محاكمة عادلة للمتورطين بالجرائم وتنفيذ القانون بحقهم.
هذه المؤسسة الأمنية، وإن بدت وكأنها تحقق بعض النجاحات، سيما نشرها لإحصائية عامة قبل أيام عن ما تحقق في الفترة السابقة من إنجازات أمنية في محافظة تعز قطاع الشرعية، يجب ألا يُنظر إليه بمعزل عن السياق العام. بل ينبغي أن يُفهم في إطار تقييم كفاءة الأجهزة الأمنية، ومدى قدرتها على مواصلة العمل وتحقيق الإنجازات وسط بيئة معقدة وصراعات داخلية.
وقد أجد الفرصة المناسبة لقراءة هذه الاحصائيات الهامة التي صدرت لتكون تبريرًا ودفاعاً. الأرقام مهمة ومهمة جداً والشفافية مطلوبة وقراءة الأرقام شيء آخر.
بمعنى آخر، هذه الإرادة الأمنية "المهنية" مكبلة، وإذا لم تُرفع عنها هذه القيود، وإذا لم تتحول الهبة الشعبية التي جاءت بعد جريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة إلى فرصة لكسر القيود الأمنية، وتوحيد القرار الأمني تحت منطق واحد، بحيث لا يكون هناك طرف فوق القانون، ولا تبقى العصابات محمية، ولا تخضع المؤسسة الامنية للإبتزاز الحزبي والمقايضة وهيمنة العرف والوساطات والتحكيم القبلي على حساب الحق العام فإن كل ما يتحقق سيبقى شكليًا، وسيجد المقبوض عليهم طريقهم إلى الشارع وإلى معاقل الجريمة والحماية وسرعان ما يعود الأشخاص الذين زُجّ بهم في السجون إلى ممارسة أفعالهم من جديد.
إن خير مساندة للحملة الأمنية وخطوات الإصلاح في تعز هو الصراحة والصدق معها وكشف أوجه الضعف مع الإشادة بالمنجز وتمكينه أو اضاءة الطريقة أمامه ليتحول إلى حقيقة دائمة لا حدثا عابرا وظرفيا.
د. مصطفى ناجي