حين يصير الصمت جريمة

كريتر سكاي / خاص

 

 

في سِياقٍ مُعاصرٍ تتراقص فيه أولويّاتُ بعضِ الحركاتِ النسويّة على إيقاعِ التمويلاتِ الدولية المُنظمة، كأن تُملي عليها أجنداتٌ من رحمِ الأممِ المتحدة أو الاتحادِ الأوروبي بوصلةَ اهتماماتها، تتجلّى مأساةٌ إنسانيّةٌ صارخةٌ تتجاوزُ حدودَ الأطرِ التمويلية الضيقة. إنها قضيةُ "شروق"، تلك الروحُ اليمنيّةُ المُستنجدةُ جهارًا بالضميرِ العامِّ لإنقاذِ ما تبقى من خيطِ حياتها المُتلاشي. قضيةٌ كان من الأجدرِ بها أن تتصدّرَ صدارةَ اهتماماتِ كلِّ صوتٍ نسويٍّ حرٍّ، وكلِّ وقفةٍ مُنصفةٍ، غيرَ أنها ظلت خارجَ فلكِ العنايةِ المزعومة.

فإن كانت سفارةُ بلادِنا في أرضِ المملكةِ الشقيقةِ قد تقاعست عن أداءِ دورها الحيويّ بفعاليةٍ تليقُ بحجمِ المأساة، فإنَّ العبءَ الأخلاقيَّ والوطنيَّ يقعُ بأسرهِ على عاتقِ اللجنةِ الوطنيةِ للمرأة. إمّا أن تُحركَ ساكنًا بمخاطبةِ رئيسِ الحكومةِ رسميًا وبشكلٍ لا يقبلُ التأويلَ، أو أن تُبادرَ بتحركٍ عاجلٍ وميدانيٍّ لمتابعةِ خيوطِ القضيةِ على أرضِ السعوديةِ نفسها.

إنَّ قضيةَ شروقَ ليست مجردَ حالةٍ فرديةٍ مُنقطعةٍ عن سياقها، بل هي نسيجٌ مُعقدٌ تتقاطعُ فيه خيوطٌ قاتمةٌ من المآسي الإنسانية: محاولة استغلالٌ جنسيٌّ، ومحاولةُ اعتداءٍ تُدمي كرامةَ الإنسان، جريمةُ قتلٍ غيرِ عمدٍ وُلدت من رحمِ الدفاعِ المشروعِ عن النفس، تعاطي المخدرات الذي يلقي بظلالهِ على الصورةِ، وامرأةٌ تُحاكَمُ خارجَ أسوارِ وطنها، في غيابٍ تامٍّ للتمثيلٍ القانونيٍّ الوطني الذي يضمنُ لها الحدَّ الأدنى من حقوقِها المكفولة.

وحين تخرجُ هذهِ القضيةُ إلى العلنِ، فلا يجوزُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ للجهاتِ النسويةِ أن تُديرَ ظهرَها لها. فالمجتمعُ الذكوريُّ، بقسوتهِ المتأصلةِ وأحكامهِ المُسبقةِ الجاهزةِ، لن يرحمَها، بل سيلقي عليها بكلِّ ثقلِ إرثِهِ، وسيُفتشُ في ماضيها لا في جوهرِ عدالةِ قضيتها.

فإن لم نكنْ ناصريها اليوم، فمتى سنفعل؟ وإن لم تتحركْ الأصواتُ النسويةُ الحرةُ بجرأةٍ وشجاعةٍ، فمن ذا الذي سيتصدى لهذهِ المهمةِ في هذا الظرفِ العصيبِ؟

المطلوبُ، في الحدِّ الأدنى، فتحُ جبهةٍ إعلاميةٍ داعمةٍ تُعوضُ عن هذا الصمتِ المُطبق: عقدُ مؤتمراتٍ صحفيةٍ تُعرّي الحقائق، تنظيمُ لقاءاتٍ مع الصحفيين لتسليطِ الضوءِ على كلِّ زوايا القضيةِ المُعتمة، وممارسةُ ضغطٍ علنيٍّ ومُمنهجٍ على الجهاتِ الرسميةِ، داخليًا وخارجيًا. كلُّ ذلكَ بهدفِ تغييرِ الصورةِ النمطيةِ الظالمةِ التي تُلصقُ بمثلِ هذهِ الحالاتِ.

فالصمتُ هنا ليسَ حيادًا يُحمدُ، بل هو جريمةٌ أخلاقيةٌ لا تقلُّ قسوةً وبشاعةً عن الإهمالِ الرسميِّ المُدان. إنهُ تواطؤٌ صامتٌ يذبحُ العدالةَ والمساواة على أعتابِ اللامبالاة.