في ذكرى وفاة الصديق العزيز والزميل نصر شائف

في أوائل ثمانينات القرن الماضي، كان التعارف بيني وبين أخي العزيز نصر –غفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى– وذلك بالعاصمة عدن. وبالطبع كان لعملنا المشترك سبب في هذا التعارف، حين كان أحد الضباط القياديين في الأمن الخارجي، الذين يشرفون –وفقاً لمهام قطاع الأمن الخارجي– على وزارة الخارجية.

عرفتُ الأخ نصر، وقد كانت لنا لقاءات عمل رسمية، ذلك الرجل الموضوعي والصادق والمترفع عن الصغائر، والمحب لكل إنسان. حيث كان يردد بصدق مقولة قلَّ من يتفهمها أو يقول بها حينها. والحقيقة أن ذلك إنما ينم عن مستوى راقٍ من الفهم والوطنية الخالصة.

كان يقول: إن المعيار في تقييم الكادر إنما يكون تجاه أمرين لا بد من ملازمتهما في أي كادر، وهما الإخلاص والقدرة المهنية في العمل الدبلوماسي.

كان فريداً في مواقفه، لا يقبل بتاتاً المزايدات أو التقييمات الجزافية، وفوق ذلك كان نزيهاً، مترفعاً عن البحث عن الماديات.

لقد شاءت الأقدار –مع طبيعة تجربة بلادنا المؤسفة– أن نفترق، حيث حطّت على البلاد أحداث جسام فرّقت أماكن إقاماتنا. لكنني، ورغم البعد في الإقامة، كانت كل الأخبار تصلني عن أخينا نصر، وتفوح منها رائحة الخير والإنسانية والنبل حقاً. ولا أنسى تواصل الكثيرين ممن أنقذهم أخي نصر بنُبل أخلاقه ومروءته وهم في أصعب الظروف.

ولِمَ لا؟! فهو الرجل الأصيل المؤصّل، الذي له من اسمه نصيب، فهو النصر وهو المنتصر بأخلاقه وقيمه النبيلة.

لقد دارت الأيام، وإذا بنا نلتقي سوياً في صنعاء أواخر التسعينات تقريباً. وفي أحد الأيام تواعدنا للقاء في منطقة ميدان التحرير، ولا أنسى تلك الدردشة العميقة والمدهشة بيننا. يومها أخبرته بأني نزلت للبحث عن قطع غيار للمضخة الخاصة بمشروع مياه بلدتي، فالتفت إلي قائلاً: “تصدق يا أخ سعيد.. تصدق أن منطقتنا ما زالت النساء يمتحن الماء من البئر السبيل بأيديهن، ولا توجد مضخة!”.

فالتفتُّ عليه مندهشاً ومستغرباً، ليأخذ الحديث مباشرة قائلاً: “لا تستغرب، ولا تعتقد أني أقول غير الحق، والله لا زال حالنا في القاع”.

كان أخي نصر –غفر الله له– مرهف الإحساس، يحب كل الناس ويحب مجتمعه صغيره وكبيره، ذكره وأنثاه. وكان محبوباً من كل الزملاء الذين عملوا معه، ومن كل من عرفه.

أسأل الله لأخي نصر السكون في الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين.