كيف نجح زوج "أمل العصار" بقتلها وحرقها ودفنها سراً ثم حصل على "براءة" في مأرب

كريتر سكاي/خاص:

تتجاوز قضية مقتل الشابة أمل علا الله محمد خليل العصار (٢٨ عاماً) في مأرب حدود الجريمة الجنائية لتصبح ملفاً مكشوفاً يختبر نزاهة القضاء وقدرته على مقاومة النفوذ العسكري والبيروقراطية المتعجلة. فما بين تقرير طبي يثبت آثار حرق وخنق، وقرار اتهام رسمي يطالب بالإعدام، وحكم ابتدائي صادم يمنح الجناة "البراءة"، تظل أمل العصار هي الضحية التي قتلت مرتين: مرة بالخنق والحرق، ومرة أخرى بفشل العدالة في تحقيق القصاص.
المحور الأول: وقائع الجريمة في الوثائق الرسمية (٢٨ نوفمبر ٢٠٢٣م)
كان التاريخ ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٣م يوماً فارقاً في حياة أمل العصار. ففي ذلك اليوم، توفيت الشابة في ظروف مريبة داخل منزلها في مأرب الجفينة. لم تكن الوفاة طبيعية، وهو ما أثبتته سلسلة من التقارير الرسمية التي وثقت آثار عنف واضحة على الجسد.
١. المتهمون والاتهام: عسكريان متورطان
وجهت النيابة الجزائية الابتدائية بمأرب اتهاماً مباشراً إلى شخصيتين عسكريتين تنتميان إلى أسرة الضحية:
* زكريا عبدالله مهدي الطيري (٣٦ عاماً)، عسكري وزوج الضحية.
* عبدالله مهدي أحمد الطيري (٦٥ عاماً)، عسكري ووالد الزوج.
أكد "قرار الاتهام" الصادر عن النيابة (رقم ٦٠م.عس.مأرب) أن المتهمين قاما بـ "ضرب وركل" أمل العصار بطريقة وحشية أدت إلى وفاتها. لكن الجزء الأكثر بشاعة من الاتهام هو محاولة التغطية على الجريمة، حيث أشار قرار النيابة إلى أن المتهمين "أخذاها إلى المطبخ وإشعلا النار في جسدها" للتغطية على جريمة القتل.
٢. معطيات الأدلة الجنائية وتقرير المعاينة
أكدت تقارير الأدلة الجنائية ومحضر المعاينة وجود مؤشرات قوية على العنف والحرق المتعمد في مسرح الجريمة:
* آثار حريق: وجد فريق الأدلة الجنائية آثار حريق جزئي في أرضية المطبخ، واحتراقاً جزئياً في سطل (بالدي) بلاستيكي بالقرب منه، بالإضافة إلى احتراق كيس بلاستيكي.
* معاينة الجثة: أكد محضر المعاينة الجنائية الصادر عن مدير إدارة الأدلة الجنائية، محمد صالح النجار، أن الجثة كانت مغطاة بروبة زرقاء وعباية سوداء وبجامة، ووجد آثار حروق في أعلى الظهر واليدين. كما لوحظ وجود "احمرار وجروح في الرقبة من الأمام"، و "جرح تحت الأذن اليسرى".
٣. التقرير الطبي ووصول الجثة للمستشفى العسكري
أكد التقرير الطبي الصادر عن مستشفى مأرب العسكري بتاريخ ٢٨/ ١١/ ٢٠٢٢م، وصول المتوفاة في تمام الساعة الرابعة والنصف صباحاً.
* إصابات الجثة: أشار التقرير إلى وجود حروق متفرقة في اليد اليسرى وحروق خلف الظهر بشكل دائري.
* آثار الرقبة: والأهم، أثبت التقرير الطبي وجود "علامة حمراء" في الرقبة مع جروح متفرقة، و "جرح دام بشكل خط بطول ٤ سم في وسط الرقبة".
المحور الثاني: فضح محاولات التغطية (الخنق ودور الزوج)
بالرغم من وضوح الأدلة الرسمية التي تثبت وجود حرق وتلف في الجثة، فإن الروايات القبلية ومطالب أولياء الدم ركزت على نقطة حاسمة كشفها قرار الاتهام نفسه: القتل والحرق للتغطية.
١. الشاهد البصري: أدلة الخنق
أرفقت عائلة الضحية ومطالبو العدالة صوراً فوتوغرافية (متداولة على نطاق واسع في حملات الضغط الشعبي) تُظهر بوضوح آثار الخنق على رقبة أمل العصار، وهي خطوط حمراء وغامقة تدل على ضغط مباشر.
* التفنيد: هذه الأدلة البصرية تدعم فرضية أن سبب الوفاة الرئيسي هو الخنق، وأن الحروق التي أثبتها التقرير الطبي ومحضر المعاينة كانت وسيلة استخدمها الجناة لإخفاء آثار الجريمة الرئيسية، وهو ما أكدته النيابة في قرار الاتهام بوجود القتل متبوعاً بمحاولة الحرق.
٢. كارثة الدفن السري: دور الزوج
تعتبر محاولة دفن الجثة أخطر مراحل التغطية. حيث أكدت التقارير المتداولة أن الزوج (زكريا الطيري) هو من سارع بالذهاب إلى المستشفى العسكري ومحاولة "دفن الجثة ضمن الجثث مجهولة الهوية" دون علم أو إذن أولياء الدم، وبحجة التعجيل والإجراءات.
* النيابة تتدخل: يظهر محضر الانتقال من مدير البحث الجنائي أنه تم التبليغ عن وفاة "أمل علا الله محمد خليل عصار"، وأن الجثة كانت محجوزة لدى إدارة الأدلة الجنائية. لكن محاولة الزوج لدفنها سراً دفعت أسرتها للتحرك وإيقاف الإجراء قبل فوات الأوان، والمطالبة بإعادة الجثة إلى الثلاجة وفحصها.
المحور الثالث: الصدمة القضائية.. "البراءة" التي قتلت العدالة
في منعطف غير متوقع، وبعد كل هذه الوثائق الرسمية والاتهامات الصريحة المطالبة بالإعدام قصاصاً، جاء حكم المحكمة الابتدائية ليصدم الرأي العام.
١. حكم البراءة:
أصدرت المحكمة الابتدائية حكماً بـ براءة المتهمين (الزوج ووالده)، وهو ما أثار شكوكاً عميقة حول الأسباب التي أدت إلى نقض الأدلة الجنائية وتقرير النيابة القوي.
* التساؤلات المُعلّقة: لم تتوفر تفاصيل حكم البراءة رسمياً، لكن الحكم أثار تساؤلات حول: هل تم تجاهل الأدلة على الحرق؟ هل اعتبرت المحكمة أن الوفاة كانت عرضية؟ وهل تم الأخذ بالدوافع التي تدعم نفوذ المتهمين؟
٢. نداء الاستغاثة للنائب العام
في رد فعل فوري على حكم البراءة، وجهت أسرة الضحية ونشطاء حملات العدالة نداءات مباشرة إلى النائب العام.
* الطلب: طالبت الحملات بضرورة تدخل النائب العام "لإنقاذ العدالة في مأرب" وتقديم استئناف فوري ضد حكم البراءة.
* الموقف الحالي: من المتوقع قانونياً أن تقوم النيابة العامة بتقديم الاستئناف، لأن حكم البراءة يتعارض جذرياً مع مطالبتها بالإعدام. ويعد الحكم هو الفصل الأول فقط من القضية التي ستحال إلى محكمة الاستئناف ثم المحكمة العليا.
خاتمة التحقيق: مأرب في مواجهة نفسها
إن قضية أمل العصار هي رمز لتحدي مضاعف:
* تحدي العنف الأسري: الجريمة وقعت على يد الزوج ووالده، وهما من المفترض أن يمثلا الأمان للضحية.
* تحدي النفوذ: كون المتهمين عسكريين، فإن الحكم الابتدائي بالبراءة يُرسل رسالة سلبية عن قدرة القضاء على تجريد المتهمين من أي حماية أو نفوذ قد يمتلكونه.
يبقى الأمل معلقاً على النيابة العامة في مأرب وقدرتها على تحمل المسؤولية التاريخية باستئناف حكم البراءة، وتوفير كافة الضمانات لتقديم الأدلة التي تثبت جريمة القتل العمد، حتى لا تظل قضية أمل العصار وصمة عار في سجل العدالة اليمنية.

رحاب ناصر