تشييع مهيب للواء عبدالكريم عبدالآلة والصلاة عليه في جامع المظفر (صور)
شيّع اليوم جموع من المواطنين والقيادات العسكرية والاجتماعية في مدينة تعز جثمان فقيد الوطن اللواء عبد...
أكد المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية باليمن فارس النجار، أهمية الاستقرار في سعر الصرف، وخفض عجز الموازنة، وسط فقدان 70% من الموارد، وتطرق إلى ارتفاع فاتورة الواردات واقتراب اليمن من الحصول على دعم دولي..
هنا نص المقابلة:
كيف تقيّم برنامج الإصلاحات الذي ينفَّذ حتى الآن في اليمن؟ وما أهم النتائج التي تحققت؟ وهل بالإمكان اعتبارها نتائج ملموسة أم لا تزال في وضع غير مستقر بالنظر إلى الظروف والتبعات التي رافقتها؟
من دون شك إن برنامج الإصلاحات الأخير أحدث نقلة نوعية في إدارة السوق النقدية والمالية في اليمن، ولأول مرة يتم التطرق والتوجه نحو تنظيم الاستيراد عبر البنوك عبر اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، كان ذلك إجراءً فعالاً للغاية في ضبط فاتورة الاستيراد؛ قبل ذلك كان هناك عشوائية حيث كانت فاتورة استيراد المشتقات النفطية الأكبر وتمثل عبئاً كبيراً، وكان يتم تمويل الواردات وإجراء التحويلات وفتح الاعتمادات من دون المرور عن طريق لجنة منظمة. فكل ذلك كان يشكل باباً واسعاً للمضاربة بالعملة.
بدأنا التحرك في إلزامية إجراء المعاملات المحلية بالريال بدلاً من استخدام العملات الأجنبية داخل اليمن، والذي أدى إلى تقليل الطلب لأن جزءاً كبيراً منه كان يتم لأغراض غير استيرادية، وكذا من ناحية الدور الذي كان يقوم به الحوثيون من خلال شبكات المضاربة فقد تم تتبّع هذه الشبكات وإنزال العقوبات عليها وتنظيم عملية صرف العملات، وغيرها من الإجراءات التي نفذها البنك المركزي اليمني في عدن للحدّ من عمليات المضاربة التي تقوم بها قوى مشبوهة كما حصل مؤخراً في تاريخ 30 أغسطس/ آب الماضي. فالنتائج نستطيع القول إنها في طور التحسّن ولا نجزم أنها في طور الاستقرار بالنظر إلى أن الاقتصاد يظل هشّاً في اليمن في ظل توقف صادرات النفط، وضعف كفاءة تحصيل الإيرادات التي لا نزال نواجه مشكلة فيها.
- ما أسباب الأزمة الكبيرة في السيولة؟ وهل البنك المركزي والحكومة يملكان الأدوات اللازمة لاستعادة زمام المبادرة لانتزاع السيطرة والتحكم في السيولة النقدية من المضاربين؟
الأرقام الرسمية للبنك المركزي في عدن تشير بوضوح إلى أن النقد المتداول بلغ 3 تريليونات و400 مليار ريال حتى نهاية مارس/ آذار 2025م، لكن المشكلة أن هذه الكتلة الكبيرة من السيولة النقدية ليست في الجهاز المصرفي بل محتجزة لدى كبرى شبكات الصرافة والمضاربين، وكذا عند بعض المواطنين بدافع الخوف، وهذا ما خلق انطباعاً بوجود شحّة في النقد. البنك المركزي كان متداركاً ومستوعباً لهذا الموضوع، لذا لاحظ الجميع أن المركزي لم يلجأ إلى صرف مرتبات الموظفين من خلال السحب على المكشوف أو يستخدم احتياطيات البنوك لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية وانهيار ونسف للجهود المتحققة؛ لكنه لجأ دون ذلك إلى أدوات الدين العام المحلي لامتصاص السيولة وتمويل هذه الموازنة، وتجنّب الأساليب التضخمية.
نعرف جميعاً أن الرواتب متأخرة منذ ثلاثة أشهر، فالدولة فقدت أكثر من 70% من مواردها نتيجة توقف صادرات النفط وهذا يُقدّر بمليار و600 مليون دولار. بموازاة ذلك ألزم البنك المركزي البنوك والصرافين بتوريد فوائض النقد الأجنبي وتسليمها بالريال، وتكفّل بشراء هذه الفوائض لتغطية تكاليف الاستيراد، كما ستكون عملية الإيداع من قبل التجار والمستوردين خلال الفترة القادمة بالعملة المحلية (الريال)، وإجراءات أخرى لتعزيز التعامل بالعملة المحلية.
بمعنى آخر فإن اللجنة الوطنية للاستيراد هي المعنية والمخوّلة بعمليات المصارفة لتغذية احتياجات المستوردين، وهذه خطوة حاسمة، وفي حال وجود أيّ فجوة أو نقص في السيولة سنجد تدخّلاً مباشراً للبنك المركزي للتعامل معها.
- ما الذي يجب القيام به لتثبيت ما تحقق في برنامج الإصلاحات وما الإجراءات اللازمة للسيطرة على السوق المصرفي والنقدي؟
هذا الموضوع بالإمكان أن نتحدث عنه من عدة جوانب، الطلب على العملة الأجنبية يجب أن يكون دائماً قابلاً للتتبع وليس مفتعلاً تخوضه قوى المضاربة، هذا يعني أن لا اعتمادات ولا تحويلات إلا تحت رقابة البنك المركزي، ولا استيراد إلا بإشراف اللجنة الوطنية للواردات، مع حصرية المصارفة بشكل رسمي عبر اللجنة، وإلزام التجار الإيداع بالريال، وأيّ التفاف سواء عبر الصرافين أو حسابات وسيطة أو فواتير مزوّرة يجب أن يُعامل بوصفه جريمة اقتصادية ويتم بموجبها سحب تراخيصهم وتحويلهم إلى النيابة.
الجانب الثاني يتعلق بإعادة تشغيل الدورة النقدية داخل الاقتصاد، فالاستقرار النقدي لن يصمد إذا ظل الريال خارج البنوك، والمطلوب تفعيل الخزانة العامة، وتوجيه كل الإيرادات إلى الدولة، وصرف الرواتب والمدفوعات الحكومية عن طريق البنوك، وخفض كلفة التحويلات، والاتجاه نحو المدفوعات الرقمية وتقليل الاعتماد على الكاش. الأمر الثالث يتمثل في كسر حلقة التهريب، وباعتقادي أن ذلك يتطلب قيام وزارة الصناعة والتجارة والسلطات بإعداد نشرة سعرية بشكل أسبوعي للسلع الأساسية، ومراجعة هوامش الربح وربطها بفواتير الاستيراد لضمان التحسن في أسعار السلع وبالمناسبة فإن قانون التجارة الداخلية لعام 2006 منح الحكومة صلاحية أن تحدد هوامش الربح خاصة للسلع الأساسية. وفي المجمل باعتقادي لا يمكن ضبط التهريب وشبكات المضاربة إلا بتعاون الأجهزة الأمنية.
هناك أمر آخر في غاية الأهمية؛ وهو أن أيّ قرارات نتخذها من قبل الحكومة والبنك المركزي ينبغي أن تكون مرتبطة بمؤشرات قياس واضحة، وأيضاً من المهم توقّع المخاطر التي يمكن أن تنشأ من اتخاذ القرارات، وعملية الالتفاف على الإصلاحات الاقتصادية. من المهم أن تتوقع أنك عندما تشدّد الخناق على عملية الاستيراد سيشجّع ذلك التهريب، لذا يجب أن تكون محتاطاً للتعامل مع كل ذلك، وهذا لا يمكن أن ينجح إلا بتكامل كل الأجهزة الرقابية والتنفيذية وتعاونها.
- كم تقدر احتياجات لجنة الاستيراد لحل أزمة الإمداد؟
وما الذي يجب عمله لإعادة الدورة النقدية وإيرادات الجهات العامة التي لا تقوم بتوريدها إلى البنك المركزي؟ تصل قيمة فاتورة الواردات بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك المركزي اليمني إلى ما بين 11.5 ملياراً و14 مليار دولار، في حين ما تحصل عليه البلاد من النقد الأجنبي لا يتجاوز ثمانية مليارات دولار وهي حوالات المغتربين التي تعتبر الرقم الأكبر بنسبة 40%، أو هي صادرات غير نفطية أو مساعدات وتمويلات خارجية.
لذا الفجوة كبيرة بين ما تحتاج إليه من نقد أجنبي وما يتوفر لديك، هذه الفجوة عندما كان يتم تصدير النفط الخام وصلت إلى نحو 2.2 مليار دولار، وبعد التوقف عن التصدير وصلت إلى 4.4 مليارات دولار. وطبعاً كلما اتسعت الفجوة زاد الضغط والطلب على النقد الأجنبي وأثر على سعر صرف العملة الوطنية. وإجمالاً نستطيع القول إن عملية إصلاح منظومة الاستيراد كانت الأبرز والأهم حتى الآن، وحققت نتائج إيجابية مهمة في تحسين سعر صرف الريال بنسبة 44%.
- ما حجم العجز في موازنة الدولة؟ وهل سنشهد إجراءات قادمة لتوفير الإيرادات مثل تحرير الدولار الجمركي ومتى سيتم ذلك؟
اليوم العجز كبير في موازنة الدولة لأننا خسرنا أكبر عائد يمثل ما نسبته 70% من موارد موازنة الدولة وهو الصادرات النفطية، وبالتالي نحن نحتاج إلى استمرار الإصلاحات الاقتصادية. اليوم من غير المنطقي أن يستمر الدولار الجمركي كما هو عليه ويستفيد منه التاجر، فالدولار الجمركي بوضعه الراهن غير منطقي ولا يستفيد منه المواطن بل يخدم رجال الأعمال فقط. نحن في حاجة ماسّة إلى تحرير الدولار الجمركي. سيقول البعض إن ذلك قد يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات؛ لكن استمرار التحسن في سعر صرف العملة الوطنية والتأكد من استقرار أسعار السلع والخدمات يدعم المضي في تحرير الدولار الجمركي لما له من فائدة عامة في تعزيز الإيرادات.
في هذا الخصوص أيضاً كنا سابقاً قد وصلنا إلى تريليون ريال إيرادات ضريبية وجمركية، وعندما تم فتح ميناء الحديدة، وتم إجبار التجار من الحوثيين على الاستيراد من ميناء الحديدة أدى ذلك إلى انخفاض الإيرادات الجمركية والرسوم الضريبية إلى ما يقرب من 600 مليار ريال، وهذا انخفاض كبير يعادل النصف تقريباً.
وبالتالي فإن هناك مساراً نعتبره مهمّاً جداً بالنسبة لنا بالنظر إلى وضعية ميناء الحديدة حالياً وتراجع قدراته التشغيلية في استقبال السفن وقد يؤدي ذلك إلى إغلاقه. وهناك توجهات للاستيراد عن طريق مناطق سيطرة الحكومة، لذا يجب تعزيز الإيرادات العامة الحكومية من خلال أولاً تثبيت حالة الاستقرار في سعر صرف العملة وأسعار السلع، ومن ثم المضي في تحرير الدولار الجمركي، وكذا العمل على رفع كفاءة تحصيل الإيرادات الأخرى، وتوريد كل الإيرادات إلى الخزانة العامة للدولة.
- كيف تمهد هذه الإصلاحات لكسب ثقة الدول المانحة والمؤسسات المالية والنقدية والتمويلية الدولية؟ وهل تتوقع أن تبادر الدول والمؤسسات في مساعدة الحكومة؟
الاستقرار مهم للحصول على دعم دولي، لا يمكن اليوم المضي قدماً على المدى القريب والمتوسط من دون الحصول على دعم دولي لتغطية عجز الموازنة. اليوم الانتقال من الاعتماد على الصادرات النفطية إلى غير النفطية يحتاج إلى وقت، وهذا لا يمكن في حالتنا في اليمن بالنظر إلى وجود اقتصاد هش، وصراعات سياسية، لذا تقتضي الأهمية بناء علاقة ثقة مع الدول والجهات المانحة، والعمل على توظيف المساعدات الدولية بشكل أمثل عبر تخطيط حقيقي لاستيعاب هذه المساعدات وتوظيفها في القطاعين الزراعي والبنية التحتية لتحسين الخدمات والأمن الغذائي.
على الجميع أن يعلم أن مسار الإصلاحات الاقتصادية هو اتجاه أساسي توافقت عليه جميع القوى اليمنية داخل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، ومدعوم من قبل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبدعم دولي من قبل الأصدقاء في الولايات المتحدة الأميركية.
عملية الإصلاحات الاقتصادية قد بدأ تنفيذها عملياً في البلاد، ولا يمكن أن نقول إن هناك إحجاماً عن تقديم الدعم لليمن، بل هناك دعم تم تقديمه في اتجاهات متعددة مثل الدعم المقدم لخفر السواحل بنحو 4 ملايين دولار. هناك مؤتمراً ستستضيفه الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي حول الأمن الغذائي في اليمن نطمح من خلاله إلى توفير 2.4 مليار دولار لدعم مشاريع الأمن الغذائي في اليمن وتمويلها. وهناك جهود تُبذل واقتربت من النجاح لحصول اليمن على منحة أو وديعة أو دعم لمساعدة الحكومة على التعامل مع التزاماتها المالية الأساسية.
- ما معوقات تنفيذ برنامج الإصلاحات وتحسين الأوضاع وتثبيت سعر الصرف؟ وهل هناك خلافات بين البنك المركزي والحكومة حول ذلك؟
أبرز المعوقات أننا نعمل في اليمن في بيئة بالغة التعقيد تتعدد فيها مراكز القوى والضعف في المؤسسات، هذه أهم التحديات التي نستطيع القول إنها تواجهنا. في المقابل لا يمكن القول إن مسار الإصلاحات سهل وميسّر، هو شاق وصعب، لكن ما يحصل حالياً هو بمثابة بارقة أمل بالإمكان البناء عليها، وذلك بالنظر إلى أن بروز أي خلافات سيعمل على تهديد مسار الإصلاحات والانهيار والسقوط، وهذا أمر كارثي في حال حصوله. وعلينا أن ننظر إلى الانهيار الكبير السابق في سعر صرف العملة الوطنية الذي أدى إلى فقدان القوة الشرائية للمواطنين وتزايد الفقر، حيث أصبح هناك وفق بيانات برنامج الغذاء العالمي 21 مليون يمني في حاجة إلى مساعدات عاجلة، وهناك 17 مليوناً في المستوى الثالث من حالة فقدان الأمن الغذائي، منهم ستة ملايين يعيشون على وجبة واحدة في اليوم.
هذه التداعيات، مع زيادة حدّة الاضطرابات في الشارع نستطيع القول إنها زادت من وعي القوى السياسية وإيمانها بضرورة الإصلاحات الاقتصادية. أما في ما يتعلق بالحديث عن وجود خلافات بين الحكومة والبنك المركزي فقد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر، وهي واردة وتتم معالجتها عن طريق الأطر المؤسسية، لكن نريد القول لمن يستخدم هذه الخلافات البينية لبث الشائعات إنه يجب التوقف عن ذلك، لأن مثل هذه التباينات في حال وجدت فهي طبيعية وتحصل في الكثير من الدول.