تهامة وإسقاط الهيمنة واستعادة القرار من قبضة الوصاية وتواطؤ الأدوات
عبدالمجيد زبح
قد تظهر تسميات تجسد تفاعلات ظرفية كأن توصف العلاقات بكونها شللية أو تُقرأ الانتماءات في إطار سلالي أ...
أتذكر وأنا في الرابعة عشر من عمري، حين كانت الصبيحة تغلي بحماسة سياسية غير مسبوقة، في انتخابات عام 2003م. كان حزب المؤتمر، ذاك الجاثم على صدورنا، يمتلك قدرات الدولة كاملة: سيارات تملأ الشوارع، مباخر تفوح في الأجواء، صحف تروج له، ومواكب لا تنقطع، وذبائح تُوزع، كأنه ينظم مهرجاناً وليس انتخابات.
أما نحن، المعارضة، فلم يكن لنا سوى أملنا، وسيارة "بيكاب" قديم مهترئ أتى بها مرشحنا،كانه مزارع ، كانت رمزا لصمودنا رغم بساطتها،شعرت حينها بالاحباط، كيف يمكننا هزيمة هذا العملاق؟ لكن الإرادة كانت فوق كل شيء.
عندما أُغلقت صناديق الاقتراع، كان الفوز لمرشح الحزب الاشتراكي صالح علي فريد البرهمي ، وسقط مرشح المؤتمر. كان ذلك الانتصار نصراً لإرادة الجنوب، رسالة حرة من الصبيحة التي لم تعد تذعن لسلطات الاحتلال أو من يدعمهم.
واليوم، أتلقى بصدمة قرار رئيس المجلس الانتقالي بتعيين حفيد الشيخ الذي سقط في تلك الانتخابات، مرشح المؤتمر نفسه. كنت أظن أن المجلس الانتقالي مؤسسة نضالية، ولكنني تفاجأت بهذه الاختيارات على حساب المناضلين والكوادر .
إذا كان الرئيس عيدروس يريد أن يكسب ثقة الصبيحة، فاختيار شخصية لم تعد تمثلها سياسيًا هو خطأ فادح. الصبيحة وأبناؤها من المثقفين والكوادر الوطنية، والمهندسين والأكاديميين، قد قالوا كلمتهم في النضال، ولديهم قيادات مدنية تستحق أن تمثلهم.
إن المنصب المدني كسكرتير يحتاج إلى خبرة إدارية وتنظيمية، وليس إلى مشيخة تدار على أسس قديمة، بل إلى إدارة حديثة تعكس روح الثورة ومتطلبات العصر.
كثيرون من أبناء المحافظات الأخرى يتحدثون عن تلك الاختيارات، عن الإقصاء المتعمد للمناضلين الحقيقيين، لكنني كنت عاجزاً عن تصديقهم حينما قالوا إن حزب عفاش هو الأكثر حضوةً ودعمًا في المشهد. كنت أظن أن الزمن قد غيّر الكثير، وأن النضال الحقيقي لا يُقهر، لكن الواقع يعيدني إلى مرارة الحقيقة.
إلى متى ستظل قيادتنا السياسية أسيرة هذه العقلية الضيقة؟ إن استقراء تاريخ النضال يثبت لنا يقيناً أن أي قيادة حقيقية لمنظمة نضالية أو كفاحية، لا بد وأن تكون من رحم المناضلين، أولئك الذين صمدوا في وجه العواصف، الذين عاشوا الفقر ولم ينكسروا، الذين قدموا الروح من أجل وطنهم.
فالمناضل، بدمائه وتضحياته، يستحيل أن يترك الجنوب في أي منعطف من منعطفات التاريخ. هو فدائي، مضحي، لا تسيطر عليه مصالح دنيوية، ولا يقوده هوى الربح أو المكاسب. أما أصحاب المصالح، فهم كالرياح، يبيعون ويتبدلون في أول فرصة تتاح لهم، يتخلون عن المبادئ حين يُستبدلون بالمصالح.
الصبيحة تستحق قيادة تمثلها، لا أن تُدار كما لو كانت مجرد اسم على ورق. محمد منصر الشعبي