قصة البرنامج النووي الإيراني من البناء وحتى التدمير

طفى للسطح وأثير مؤخرا وبقوة غير مسبوقة موضوع ملف البرنامج النووي الإيراني وذلك بعد رفع تقارير أممية مختلفة بقرب إيران من الوصول إلى إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يعني إمتلاك إيران للسلاح النووي وصناعة أول قنبلة نووية إيرانية مما تسبب بقلق كبير لدى إسرائيل وأمريكا والدول الأوربية خصوصا مع التهديدات الإيرانية المتواصلة لـ أمريكا وإسرائيل ودعم التنظيمات الإرهابية وصولا إلى مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن من قبل المليشيا الحوثية بإيعاز وتوجيه من المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني

قصة البرنامج النووي الإيراني قصة لم تروى كثيرا في وسائل الإعلام قصة تبدأ من سنة 1953 عندما أعلن الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاور فكرته التي أسماها "الذرة من أجل السلام" وهي عبارة عن فكرة لتحويل الطاقة النووية للأغراض السلمية وذلك أمام ممثلي الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وأبدت الولايات المتحدة الأمريكية حينها إستعدادها لمساعدة الدول في بناء وتشييد المفاعلات النووية وكان من بين الدول التي أخذت الإعلان الأمريكي على محمل الجد وإهتمت بهذا الموضوع بشكل كبير إيران "الملكية" التي كانت تحت حكم محمد رضا بهلوي آنذاك قبل قيام الثورة الخمينية أواخر سبعينيات القرن الماضي،

قصة البرنامج النووي الإيراني بدأت فعليا بعد أربع سنوات من إعلان الرئيس الأمريكي دوايت ديفيد أيزنهاور بتقديم المساعدات الفنية لبناء المفاعلات النووية للأغراض السلمية وتحديدا في 1957 حيث طلب شاه إيران مساعدة أمريكا في بناء مفاعل نووي وفعلا تم توقيع إتفاقية تعاون بين محمد رضا بهلوي والولايات المتحدة الأمريكية وقد حصلت إيران بموجب هذه الإتفاقية على عددا من المساعدات الفنية النووية ومن هنا بدأت حكاية البرنامج النووي الإيراني بدعم أمريكي من ساكن البيت الأبيض آنذاك،

وإستمرت هذه الحكاية وتوسع هذا الإتفاق النووي الإستراتيجي ليشمل إلى جانب واشنطن فرنسا وألمانيا وتويج هذا التعاون بين الدول الثلاث من جهة وبين وإيران من جهة أخرى على تأسيس مركز طهران للبحوث النووية سنة 1967 وقدمت واشنطن لطهران كل مايلزم للبدء في بناء وتشغيل المفاعل النووي في نفس العام وبدأ العمل في هذا المفاعل تحت رقابة وتفتيش الوكالة الدولية للطاقة النووية ومايزال هذا المفاعل يعمل حتى اليوم بعيدا عن رقابة الوكالة الدولية وفي عام 1968 وقع شاه إيران معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية ولكن إيران واصلت طريقها في بناء قدراتها النووية ألتي كان يطمح شاه إيران إلى بناء عشرة مفاعلات نووية كمرحلة أولى وفي تلك الفترة إستطاعت إيران الدخول مع فرنسا في شراكة ببناء أكبر مصنع للطاقة في أوروبا يسمى بمصنع يورودي والتي ساهمت فيه إيران بنسية 10 % إلى جانب الإستثمار في مجالات عدة بدول أوربية مختلفة لم يكتفي الشاه بما حصل عليه من مساعدة أمريكا في تلك المرحلة ولكنه أنزل مناقصات للشركات الدولية لبناء مفاعل إضافية وكانت الشركات الفرنسية والألمانية أول من تقدم لأخذ تلك المناقصات وفعلا تم بناء مفاعلين من قبل شركة سيمنز الألمانية وشركة كابي الفرنسية في منطقة بوشهر المفاعل الأول تم إنجازه بنسية 90 % والمفاعل الثاني بنسبة 50 % ولكن إنتهت طموحات شاه إيران محمد رضا بهلوي بإمتلاك السلاح النووي بسبب تخلي الغرب عنه وقيام الثورة الخمينية سنة 1979 ؛

ومع مرور السنوات إكتسب الإيرانيون خبرات واسعة في هذا المجال كان من تبعات تلك الفتوى فرار العلماء النوواسعة يون والخبراء الإيرانيون إلى خارج البلاد وبعد وفاة الخميني عام 1989 تولى آية الله علي خامنئي منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وتولى هاشمي رفسنجاتي رئاسة الجمهورية الإيرانية 1989-1997 الذي يعد المهندس الأول للبرنامج النووي الإيراني حيث عمل على أعاد العمل في البرنامج النووي وأعاد الكثير من العلماء النوويون والخبراء الإيرانيون من الغرب إلى جانب إرسال طلاب إيرانيين للدراسة في هذا المجال الحساس إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الأوربية ولكن أصبح أؤلئك الطلاب في تلك الدول تحت مراقبة اجهزت المخابرات فقام رفسنجاتي بسحبهم وتحويلهم للدرسة في الإتحاد السوفيتي والصين وباكستان وشكل هؤلاء الطلاب بعد ذلك النواة الأولى للمشروع النووي الإيراني أضف إلى ذلك توفيره للتكنولوجيا الذرية من الصين وروسيا وباكستان وكوريا الشمالية من خلال عقود أبرمها مع تلك الدول إضافة إلى جلب كل المواد الخاصة بصنع القنبلة النووية وفي نفس السياق قامت المخابرات الإيرانية بدورها بإرسال عددا من عناصرها إلى بعض الدول الأوربية بهيئة رجال أعمال وهناك فتحوا شركات إستثمارية وتواصلوا مع بعض الشركات الأوربية الخاصة بإنتاج المواد المشعة للإستخدامات السلمية إلى جانب قيام تلك العناصر بسرقة التكنولوجيا والأسرار النووية خصوصا من سويسرا وإنجلترا وفي عام 2003 إكتمل البرنامج النووي الإيراني من حيث الكادر البشري والخبرات العلمية والمواد والمفاعلات واصبحت إيران تمتلك كل مقومات البرنامج النووي، في تلك الفترة بدأ الغرب يستشعر خطر إنتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وبدأ في رصد الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا ومن بينها إيران ولكن إستطاعت الأخيرة من خلال علاقتها وتعاونها السري مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من حرف أنظار المجتمع الدولي عن برنامجها النووي الإيراني وقدمت مساعدة لـ إسرائيل وذلك بتهجير اليهود الإيرانيين إلى فلسطين إلى جانب التنسيق والتعاون في تدمير المفاعلات النووية العراقية عام 1981 وكذلك مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في إحتلال أفغانستان وإسقاط نظام طالبان سنة 2003 إضافة إلى مساندة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها أثناء غزو العراق ومن أجل تأمين البرنامج النووي وحماية الجمهورية الإيرانية عملت المخابرات والحرس الثوري الإيراني على تطويق إسرائيل بتنظيمات إرهابية في فلسطين ولبنان وسوريا  ،

وهو ماعرف بالحزام الناري ورغم كل تلك الجهود والخطط والتدبير الإستخباراتية ألتي وضعتها إيران من أجل سرية مشروعها النووي إفتضح أمرها وذلك بعد فرار عددا من المعارضين للنظام إلى الولايات المتحدة الأميريكية والدول الأوربية وكشفهم أسرار البرنامج النووي العسكري وهي النقطة ألتي جعلت أمريكا والغرب يلتفت إلى تلك الأنشطة السرية ومن ثم مراقبتها وفرض العقوبات الإقتصادية والمطالبة بإخضاع جميع المنشآت النووية للتحقيق والمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولا إلى مطالبة طهران بتفكيك البرنامج النووي والتهديد العلني من قبل إسرائيل وأمريكا بضرب إيران عسكريا بعد إقترابها من إنتاج اليورانيوم المخصب وإمتلاك القنبلة النووية،

ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الإنتخابات الأخيرة طالب الإيرانيين بضرورة تفكيك برنامجهم النووي والبدء بمفاوضات مباشرة خصوصا بعد أحداث السابع من أكتوبر في قطاع غزة وضرب حزب الله في لبناني من قبل الجيش الإسرائيلي وتمخض عن ذلك عقد سلسلة من المفاوضات السياسية في سلطنة عمان وروما إمتدت لخمس جولات ولكن فشلت جميع تلك الجولات والمفاوضات والجهود الدبلوماسية والسياسية ألتي بدأت منتصف أبريل الماضي وإنتهت في أواخر شهر مايو 2025 دون تحقيق أي تقدم يذكر،.

ومع حلول ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة 13 يونيو الحالي شن سلاح الجو الإسرائيلي عددا من الغارات الجوية الكثيفة على المفاعلات النووية الإيرانية وتمكن بالفعل من إلحاق أضرار واسعة وتدمير عددا من المفاعلات والقواعد العسكرية وقتل حوالي 17 عالم نووي إيراني إضافة إلى قتل 30 قائدا عسكريا وذلك بعملية عسكرية اطلق عليها إسم "الأسد الصاعد" وفي المقابل امطرت إيران تل أبيب وعددا من المدن المحتلة بالمئات من الصواريخ البالستية والطيران المسير أسفرت عن إصابة بعض الأهداف العسكرية والمناطق السكنية والتجارية وقتل عددا من الإسرائيليين بعملية اطلق عليها مسمى "الوعد الصادق"

الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت في بداية الأمر إعطاء النظام الإيراني مهلة أسبوعين للموافقة على تفكيك برنامجها النووي ولكن حدث مالم يكن في حسبان الإيرانيين وتحديدا فجر يوم الأحد 22 يونيو 2025 حيث أعلن دونالد ترامب من البيت الأبيض تنفيذ الجيش الأمريكي هجوما جويا على ثلاث مواقع نووية إستراتيجية داخل العمق الإيراني شملت تدمير مفاعل فوردو ونطنز وأصفهان بعدد 125 طائرة عسكرية بينها قاذفات B- 2 الشبحية المتطورة للغاية وصواريخ توماهوك ألتي أطلقت من غواصات تتمركز في المياه الدولية في بحر العرب بعملية سميت بعملية "مطرقة نصف الليل" وبعد تنفيذ هذه العملية الأمريكية أعلن الرئيس الأميريكي ترامب تدمير البرنامج النووي الإيراني الذي شغل العالم لعقود من الزمن وهكذا ربما تكون قصة البرنامج النووي الإيراني قد إنتهت رغم تواصل الهجمات العسكرية بين إيران وإسرائيل وقصف إيران لقاعدة العديد الأمريكية في قطر والإعلان عن وقف إطلاق النار ودخوله حيز التنفيذ وتصريح مستشار المرشد الإيراني علي شمخاني بسلامة اليورانيوم المخصب ونقله إلى أماكن سرية آمنة قبل القصف الأمريكي.

التفسير الوحيد للأحداث الجارية سياسيا وميدانيا أن الحرب مازالت مستمرة على أرض الواقع ولم يتم القضاء الكامل على البرنامج النووي رغم الإتفاق على الهدنة ووقف إطلاق النار لمدة 12 يوم وربما لا تنتهي هذه الحرب بالمعنى الشامل إلا بتدخل بري وقلب نظام الحكم بالقوة العسكرية كما حصل في العراق سنة 2003 وفتح جميع الملفات ومحاسبة رموز النظام الإيراني على جرائمهم المرتكبة بحق المعارضين السياسيين وضد الأقليات والعرقيات الأخرى سوأ داخل إيران او خارجها ومن ثم تقديمهم للمحاكمة وتغيير النظام السياسي إلى نظام أخر معتدل وغير طائفي يراعي مصالح الشعب الإيراني  ولا يتدخل في شوؤن الدول الأخرى.