ذكرى تحرير المكلا.. محطة استراتيجية في معركتنا ضد الإر هاب
الاعلامي جابر محمد
تحل علينا اليوم، 24 أبريل، الذكرى التاسعة لتحرير مدينة المكلا – عاصمة محافظة حضرموت – من قبضة تنظيم...
لطالما كانت النقابات العمالية في جنوب اليمن، منذ عهد الاستعمار البريطاني وحتى قيام دولة اليمن الديمقراطية الشعبية، صوتًا جهوريًا للحق، ومنبرًا لأصحاب المطالب العادلة. لم تكن النقابة آنذاك مجرد كيان تنظيمي، بل كانت روحًا نضالية حية، حاملةً لراية الاستقلال، ومدافعةً شرسة عن الهوية الوطنية الجنوبية، وقد لعبت دورًا محوريًا في زعزعة مشاريع الاحتلال، وتثبيت دعائم الدولة الوطنية الوليدة.
كان العامل آنذاك وطنيًا بالفطرة، لا تفصله عن قضايا الوطن مسافات ولا حسابات، يكدّ ويكافح من أجل لقمة عيش كريمة، ولكنه في ذات الوقت لا يتنازل عن حلم الدولة المستقلة. أما المعلم، فكان طليعة هذا الصف الوطني؛ قدّم العلم على المال، والرسالة على الأجرة، فارتقى في مقامه، وارتقى المجتمع بأثره، إذ نشأ على يديه جيل يؤمن بالقيم والمبادئ، يحارب الفساد، ويبني الأوطان بالعلم والمعرفة، ويجعل من بلده ندًّا مشرفًا بين الدول العربية.
اليوم، وللأسف، نشهد انقلابًا على هذا الإرث النضالي العظيم. فقد ظهرت نقابات عمالية تحمل اسم الجنوب العزيز، هذا الاسم الذي سُقي بدماء الشهداء وتضحيات الشعب من أقصاه إلى أقصاه، فإذا بها تتحول من أدوات نضال إلى أدوات تعطيل، ومن أبواق للحقوق إلى معاول هدم للمؤسسات، وعلى رأسها التعليم.
بدلًا من أن تكون النقابة صوتًا للدفاع عن المعلم والطالب والمدرسة، أضحت أداةً للابتزاز، ومسرحًا للمناكفات، وسلاحًا موجهًا إلى صدور الأجيال الصاعدة. لقد أصبح الإضراب وسيلةً للإضرار، وأداةً للتجهيل الممنهج، يوقفون به الدراسة، ويشلّون الحياة التعليمية، ويدفعون بطلابنا نحو الجهل، والانحراف، والانجرار خلف السلوكيات غير الأخلاقية والمظاهر السلبية التي تدمّر المجتمعات.
إن النقابات التي لا تدافع عن العلم، ولا تصون رسالة التعليم، ليست سوى ظلٍ باهت لذاك الماضي المجيد. وإن الجنوب الذي قدّم الدم والروح من أجل كرامة الإنسان وبناء الدولة، لا يمكن أن يُختطف صوته باسم نقابات انحرفت عن أهدافها، وانشغلت بتقويض مؤسسات الوطن بدلًا من بنائها.
ومن هنا، نوجه نداءً صادقًا إلى كل نقابي حرّ، وكل معلم شريف، أن يعود إلى جادة الصواب، وأن يستعيد البوصلة نحو الهدف الأسمى: بناء وطنٍ حرّ مستقل، يقوم على التعليم والمعرفة لا على الجهل والتجهيل.
لهذا، نرفع النداء: عودوا إلى ما كنتم عليه؛ منارات وعي، وحراس حلم، وروّاد نهضة.
أيها المعلمون الشرفاء، أيها النقابيون الأحرار:
لا تجعلوا من مطالبكم المشروعة جسورًا لعبور الفوضى، ولا تسمحوا بأن يُستغل صوتكم النقي لتدمير ما تبقى من مؤسسات الوطن.
كونوا كما كنتم، أوفياء لرسالتكم، شركاء في بناء وطنٍ حرّ، عزيز، يُبنى بالعلم لا يُهدم بالإضراب، يُصان بالوعي لا يُدفن في الجهل. فالجنوب يستحق منكم الكثير... ولا يزال ينتظر.
نقول لكم: كونوا كما كان من سبقكم، عناوين للفداء، وروّادًا للنهضة، ولا تكونوا معول هدم في جدار الوطن.
لتكن نقاباتكم سلاحًا للدفاع عن الكرامة، لا مطيةً لتخريب المؤسسات؛ منبرًا للعلم، لا منصةً لتعطيله؛ طريقًا للحقوق، لا وسيلةً لإضاعة أجيال كاملة في متاهات الجهل والفراغ.
فالجنوب لا يستحق منكم هذا الانحدار، وهو الذي ما زال، وسيبقى، يحلم بدولةٍ تُبنى بسواعد المخلصين، لا تُهدم بأيدي العابثين.
إن النقابة التي تفقد بوصلتها، وتنسى أنها جزء من مشروع وطني أكبر، تتحوّل من منارة إلى عتمة، ومن صوتٍ للحق إلى صدى للعبث. والنقابة التي تُعطِّل المدرسة، تُعطِّل الوطن كله.