التحرر الفكري ، وابواب روما المغلقة
دعاء هزاع الجابري
لسنا ذو قاسم مشترك ، ولسنا ذو قالب موحد معتمدجميعا نملك معايير مختلفة في هذه الحياة تمكننا من المضي...
للسنة السادسة على التوالي تمضي الجمهورية اليمنية بلا سلطة نقد مركزية على المستوى الكلي للاقتصاد والدولة الأمر الذي انعكس في "غياب" البنك المركزي اليمني وفق التعريف القانوني والوضع السيادي للبنك الذي يمكنه من أداء وظائفه والقيام بدوره المتمثل في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي على كامل التراب الوطني دون أي عوائق من شأنها تقييد قدرته رأسيا أو أفقيا للاضطلاع بهذا الدور، هذا الواقع نشاء مع انتهاء ما عرف "بالهدنة الاقتصادية" طيبة الذكر وصدور قرار نقل المركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاء الى عدن في سبتمبر 2016.
أفسح القرار المذكور الطريق أمام تقسيم البنك المركزي اليمني الى بنكين مركزيين يعملان منذ الوهلة الأولى كلا في مواجهة الأخر، بنك مركزي صنعاء، وبنك مركزي عدن الذي على رغم الاعتراف الدولي به باعتباره البنك المركزي اليمني ظل طوال السنوات التي أعقبت قرار النقل "معاق" و"عاجز" عن بسط سلطته النقدية وفرض الامتثال لها في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات صنعاء وهي المناطق التي تتركز فيها نسبيا الكتلة السكانية الأكبر وكذلك فيما يتعلق بحجم الاسواق والنشاط الاقتصادي.
ومع حظر تداول أوراق الريال الجديدة بصورة قطعية ابتداء من منتصف شهر ديسمبر 2019 وتجريم حيازتها في المناطق الخاضعة لسلطة البنك المركزي في صنعاء وفرض اقتصار التداول حصرا في هذه المناطق على طبعات الريال القديم السابقة لشهر سبتمبر 2016 أضحى تقسيم الريال اليمني الى "عملتين" ريال قديم وريال جديد أمرا واقعا حيث أكتسب كلا منهما سعر صرف خاص به مقابل العملات الأجنبية ليمحى بذلك ماتبقى من ارتباط بين البنكين وبهذا أصبح وجود البنك المركزي اليمني مجرد عنوان يخلو من أي محتوى حقيقي في ظل افتقار ايا من البنكين المركزيين منفردا في عدن وفي صنعاء القدرة على القيام بوظائفه التي من أهم شروطها الطابع المركزي والسيادي والاقتصادي الكلي فأصبحنا نعيش فراغا في ما يتعلق بالسلطة النقدية المركزية وبالسياسة النقدية الموحدة على الصعيد الوطني وكذلك الامر في ما يتصل بمشتقاتها من سياسة سعر الصرف وسياسة العرض النقدي وادارته وما الى ذلك من المكونات ذات الصلة ما أغرق البلاد برمتها في أتون فوضى مالية متوحشة شاملة.
في الوقت الراهن وصلت معاناة المواطن اليمني على امتداد الجغرافيا اليمنية الناجمة عن معضلة البنك المركزي المغيب (المنقسم) والريال المشطور وتداعياتها المتشعبة الى ذروتها فقد وضعت الاقتصاد اليمني بجوانبه النقدية والمالية والتجارية وغيرها في مأزق عويص للغاية وشكلت الأرضية الخصبة لتناسل شتى الممارسات الهدامة التي تنضوي تحت مسمى "الحرب" الاقتصادية سيئة الصيت التي تسببت ولاتزال باضرار كارثية لليمنيين مست كافة مناحي حياتهم وفاقت في كثير من فصولها السوداء الأضرار المباشرة للحرب نفسها.
بالنظر الى ما تقدم، فان الحديث عن اصلاحات نقدية ومالية واقتصادية مثله مثل الحديث عن طلب النجدة الاقتصادية من الاشقاء والاصدقاء والمانحين على اختلافهم سينتهى كما انتهت المحاولات المشابهة من قبل الى سراب فيما سيستمر الانسداد مالم يسبقها تحرك عاجل من قبل الأطراف التي تتقاسم الامساك بزمام القرار اليمني لوضع حد لهذه المعضلة المدمرة لحاضر ومستقبل البلاد واخراجها من هذا المأزق الخطير من خلال التوافق على فرض تحييد ** البنك المركزي اليمني عن مجريات الحرب والصراع واعادته الى العمل كمؤسسة نقد يمنية موحدة مستقلة بادارة محايدة تتقيد بصرامة في عملها بالمعايير المهنية وتلتزم قولا وعملا الامتثال لمبادئ الشفافية والمسائلة وقواعد الحوكمة المتعارف عليها دوليا.
* أعد هذا المقال للنشر في يوم الأربعاء 6 ابريل 2022، ثم اجريت عليه بعض التعديلات الشكلية مع بقاء فكرته الجوهرية دون تغيير؛