نخبة القطيع في مؤتمر الباحثين

ثمة مشهد عبثي بات يتكرر حد التقيؤ، قطيع مدجج بالألقاب والشهادات، يتزاحم لحضور ما سموه زوراً مؤتمراً للباحثين لمناقشة أوضاع اليمن، يخلعون جلودهم القديمة، يرتدون بدلات نخب رخويه، ويتحدثون عن التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية، وكأنهم لم يكونوا من أشعل أول فتيل الحريق.


كيف يمكن لمجموعة من الراقصين على رماد الوطن أن يناقشوا كيفية إعادة بناءه؟ من يصدق أن من ساهموا في تدمير مقومات الحياة في اليمن، يمكنهم حتى نظرياً مناقشة سبل إنقاذه؟


السؤال الأعمق هنا ليس ماذا قالوا، إنما من الذي يجب أن يجلد نفسه؟أولئك الذين صدقوهم، أم هم الذين احترفوا التمثيل؟


إنه لأمر يستحق الوقوف عنده، حين يتحول الجلاد إلى باحث، ومن رقص في خراب قشعة الرجلين إلى متحدث في جلسة بعنوان مستقبل الدولة المدنية، كأن الذاكرة اليمنية مسحها أحدهم بإسفنجة أجنبية، وأعاد تعبئتها بنسخة فاسدة من التاريخ.



من الذي أقنع هذا القطيع أنهم نخبة؟


ومن الذي رفع توكل كرمان من حالة غوغائية موسمية، إلى دور إصلاحي أممي؟



أحقاً يظنون أن من رفعت رجليها وقشعتهم على أنقاض اليمن تستطيع أن تعيده إلى الوقوف؟ أم أن القضية لم تعد عن اليمن أصلاً، بقدر ما هو استثمار للخراب مرة أخرى؟



كل هذا يعيدنا إلى أصل السؤال: هل نحن في لحظة وعي، أم لحظة سُكر جماعي؟


وهل ما نراه مؤتمراً، أو هو في حقيقته جلسة اعتراف مقلوبة، حيث الجاني يُكرم، والضحية تُمحى من الذاكرة؟



في اليمن، لا أحد يعتذر، الذين خانوا يعاودون الظهور كمصلحين، والذين فرقوا يتحدثون عن التعايش، والذين زرعوا الألغام يوزعون دعوات للسلام.



من الواضح بأن المنصات باتت تُمنح للجلادين، والضوء يُسلط على المتورطين، بينما الضحايا يُسحبون إلى هامش المشهد، يُدفنون أحياء في زوايا النسيان.



هذا ليس تحليلاً سياسياً، ولا انفعالاً عاطفياً، بقدر ما هو توصيف لواقع مرير يتكرر حتى فقدنا القدرة على الدهشة.



أصبح المشهد عادياً، أن ترى من هدم البيت، يناقش كيفية ترميمه، ومن خان يتحدث عن الشفافية، ومن عاث فساداً يلبس عباءة النزاهة.



الأسئلة كثيرة، والإجابات مُرة، لكن ربما أول خطوة في طريق الفهم، هي أن نكف عن تصديق هذا القطيع، وأن نعيد تعريف النخبة بعيداً عن الشهادات، والمايكروفونات والسفريات الممولة.




وللأسف، في وطن تسقط فيه أوراق الفن والوعي والثقافة واحدة تلو الأخرى، لا تُقام المؤتمرات إلا لتلميع وجوه مارست الخيانة، وخرجت منها بلا نقطة دم.