الطريق إلى السلام يبدأ من القدس

يعيش الكيان العدواني الصهيوني بالحرب، وجيشه تعوّد على أن لا يتوقف عن القتل، وآخرها ارتكب عدوانًا غاشمًا مبيّتًا ومنسّقًا مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا ضد إيران في ١٣ يونيو الجاري،
قوبل بإدانة واسعة من الرأي العام العربي والإسلامي والدولي.

لقد كان الهدف الحقيقي من هذا العدوان إسقاط النظام في إيران، وليس مجرد الحد من قدراتها النووية المزعومة التي تذكّر بما حدث في العراق عام ٢٠٠٣، عندما تم اتهامه بامتلاكه أسلحة دمار شامل من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وإلحاح الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنح مفتشيها مهلة أشهر قليلة لاستكمال عملهم.

لقد فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها من العدوان، الذي أدى إلى تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية، واستعداد إيران لخوض معركة دفاعية طويلة الأمد ضد الكيان الصهيوني، الذي تعوّد على حرب الضربات الخاطفة، مستعينًا بحلفائه في الدول الغربية.

كان الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي مزلزلًا، باستهدافه تل أبيب وحيفا وبئر السبع وغيرها من المدن والمؤسسات الاستراتيجية الإسرائيلية، في سابقة لم تشهدها إسرائيل منذ صُنعها بقرار أممي عام 1947، الأمر الذي أجبرها على قبول الوساطة الأمريكية لوقف عدوانها على إيران، حفاظًا على ما تبقى من هيبتها المتداعية وصورتها أمام مواطنيها والعالم.

كشفت حرب الإثني عشر يومًا للمرة الثانية بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ أن جيش العدو يمكن أن يُقهر. بجانب ذلك، ألحقت إيران بالكيان الصهيوني أضرارًا اقتصادية ومعنوية ونفسية كبيرة، من مظاهرها موجة هجرة عكسية للمستعمرين في فلسطين إلى الدول التي جاؤوا منها.

ويبقى السؤال الملحّ: على من سيفتح نتنياهو النار غدًا، بعد أن أشعلها في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران؟.

شاهدنا يوم أمس انتشار صورة مركبة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر لوحة إعلانية تجمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعددٍ من قادة العرب بهدف الإساءة لهم.
وقد حملت اللوحة شعارًا لافتًا نصّه: "فرصة جديدة لشرق أوسط جديد"، وهو ما يروّج له نتنياهو في الماضي والحاضر.

إن كل عدوان جديد يرتكبه الكيان الصهيوني في المنطقة لا يخلّف سوى المزيد من الأحقاد، ويراكم العداوات تجاهه، وهو الكيان الدخيل الذي زرعته الحركة الصهيونية وحلفاؤها في قلب المنطقة، خدمةً لمشاريع الهيمنة والتقسيم.

ورغم إدراك نتنياهو لهذه الحقيقة، إلا أنه يصرّ على مواصلة اللعب بالنار، بتصدير أزماته الداخلية وإشعال الحروب خارج حدود الكيان المحتل، هربًا من مواجهة الإسرائيليين الذين يخرجون يوميًا بأعداد لا بأس بها إلى الشوارع في مظاهرات تطالب بوقف العدوان على غزة، وتدعو للإفراج عن الأسرى، بل وترفع الصوت للمطالبة بإقالته وإسقاط حكومته اليمينية الفاشية، التي باتت عبئًا على الداخل والخارج.

لقد أصبح نتنياهو اليوم شخصية منبوذة في المنطقة والعالم، وهو الذي يواجه مذكرات ملاحقة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، ويعي بأن مساحات التعاطف مع إسرائيل تتقلص رسميًا وشعبيًا في عدد كبير من دول العالم، وأن الغالبية الساحقة في المجتمع الدولي بدأت تدرك أن استمرار نهجه العدواني لا يهدد فقط الاستقرار والسلام في المنطقة، بل ينذر بعواقب وخيمة على الأمن والسلم الدوليين.

وفي الوقت الذي تحرّك فيه العالم سريعًا لمنع توسّع الحرب بين إسرائيل وإيران، كنا نتمنى أن يتحرك مجلس الأمن والمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية بالذات، بنفس السرعة والجدّية، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى اليوم، الذي خلّف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وألحق دمارًا هائلًا بالممتلكات، وسط صمت دولي غير مألوف.

إن الطريق الحقيقي للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم يبدأ من إنهاء الاحتلال لفلسطين، والتخلي عن العقيدة الصهيونية التوسعية في فلسطين وفي دول الجوار، ووقف سياسات العدوان، والاعتراف التام بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس.

مقالات الكاتب

تهنئة بعيد الأضحى المبارك

يطيب لي أن أتقدم من أبناء شعبنا اليمني العظيم في كل مكان، وشعوب أمتنا العربية والإسلامية، بأصدق الته...