بشير المضربي.. أسطورة الصمود
محمد المسيحي
من بين الجبال التي علّمت الريح معنى الصبر، ومن بطون الوديان التي حفرت في ذاكرة الوطن مجداً حقيقياً،...
من بين الجبال التي علّمت الريح معنى الصبر، ومن بطون الوديان التي حفرت في ذاكرة الوطن مجداً حقيقياً، ينهض اسم لا يُشبه سواه، يسطع في سماء البطولة كالشمس في كبد الحقيقة، إنه العميد البطل بشير المضربي، القائد العام لقوات درع الوطن، رجل إذا ذُكر الانتماء تنطق ملامحه به، وإذا حضر النزال سكتت البنادق احتراماً لهيبته، هو أيقونة من نار وبارود، نقش اسمه على الصخور قبل أن تسطره الأقلام، وبنى مجده بعرق الجباه لا بزيف الشعارات.
تلك الأرض التي مشى عليها ،من بئر أحمد الصامدة إلى جعولة الأبية، ومن الوهط الشامخ إلى الحسيني المشرّفة، ومن صبر العظيم إلى العند الصنديد؛ مازالت تحتفظ بخطاه، وتحفظ صدى صوته حين كان يحفّز رجاله في الليالي العاتية، حيث لا ضوء إلا من عيونهم، ولا دفء إلا من قلوبهم التي تلتهب حباً للوطن؛بنى المتارس بيد،ورفع المعنويات بالكلمة الصادقة التي لا تعرف الزيف، وكان كل شبر يُنتزع من براثن العابثين يُكتب في سجل تاريخه بحروف من نار.
لم تكن بطولته في الواجهة ولا في المؤتمرات، بل كانت في الوغى، في عمق الجبهات، حيث يختلط صهيل الرصاص بنداء الأرض،كان أول الحاضرين عندما تجف الحناجر من الصراخ، وكان آخر المنسحبين حين تعصف الرياح وتشتد العواصف؛ لم يطلب شيئاً لنفسه، بل كان كل ما يريده أن يرى كرامة المواطن مصونة، ووحدة الأرض متماسكة كالسيف في غمد العزة.
في لحظات الانكسار التي شهدها الوطن، حين غابت الرؤى واختلطت الأصوات، كان بشير المضربي هو البوصلة، لا يحيد عن درب الكرامة، ولا يساوم على شبر من الأرض، لا يُهادن في قضية الشهداء، كان الصوت الذي يعلو فوق الهمس، وكان الفعل الذي يسبق القول؛ تنقّل بين الجبهات كأنما خُلق من طينها، يقرأ تضاريسها كما يقرأ القائد خريطة المعركة، فتنهض من حوله الأرواح وتحيا العزائم من رماد الخوف.
ليس كل من حمل رتبة حمل معها الرجولة، لكن بشير المضربي جعل من رتبته مرآة تعكس جوهره، ومن بزّته العسكرية رايةً للصدق والنقاء ،لم تكن معاركه فقط ملاحم للقتال، بل كانت فصولاً من كتاب الوطنية الحقيقية، كتبها بجراحه، وسقاها بعرَق رجاله، وزيّنها بتضحيات لا تُنسى.
هكذا يُصنع المجد، لا على أوراق التقارير، بل على صخور الميدان، ولا بين جدران المؤتمرات،بل في قلب الزحف، حيث الرجال يُختبرون لا يُصفق لهم، العميد بشير المضربي ليس اسماً يُقال، بل فعلاً يُروى، وسيرة تعلم، وموقفاً يُستشهد به حين تضعف العزائم.
هو القائد الذي تمضي خلفه الهيبة، وتسبق اسمه المواقف، وتنهض بسيرته الهمم، أينما حل، كان اليقين، وحيثما وقف، سكنت الفوضى وارتفع النظام ؛لا يطلب المجد، لأنه المجد ذاته في هيئته وكلامه وخطاه.
سلام عليك أيها القائد الصنديد، يا من علّمت الأرض أن تصبر، والسماء أن تفخر، والرجال أن يكونوا رجالاً، لك المجد ما دام فينا قلب ينبض، ولك التحية ما دام في البلاد تراب يقدّس ودم يُراق لأجل الكرامة.
محمد المسيحي