تفاصيل مؤثرة عن المحامي صبره المختطف في صنعاء

كريتر سكاي/خاص:


نذر عبدالمجيد صبره نفسه للضحايا، وجعل من مكتبه المتواضع في صنعاء مأوى للمقهورين. كان يأتيه الناس من كل صوب: أم تبحث عن ابن مختف، أو سجين فقد الأمل، أو أسرة تخاف أن تنطق. كان يستمع للجميع بذات الهدوء الذي عرفته به، ثم يبدأ معركته الطويلة مع الجدار، بالكلمة والحجة، بالابتسامة والإصرار.

في زمن قل فيه النصير، وندر فيه من يختار الوطن على النفس، برز صبره متجردا من كل أنانية، عاملا بصمت من أجل وطن يرزح تحت أثقال الألم والانقسام. لم يكن يبحث عن مجد شخصي، ولا عن تصفيق عابر، بل عن لحظة حق تعيد لليمني كرامته المسلوبة وتغسل عن وجه الوطن غبار الخذلان. قليل هم الرجال الذين انضموا إلى طابور عبدالمجيد، ذاك الصف الطويل من الأبطال المجهولين الذين يعملون دون ضجيج ويحملون العدالة في قلوبهم كما يحمل المؤمن صلاته. يقفون في وجه القهر بوجوه هادئة وإرادة لا تنكسر، يضعون مصالحهم في كف، ووطنهم في الكف الأخرى، ثم يختارون الوطن بلا تردد. مع عبدالمجيد صبره برزت تلك النخبة النادرة من المحامين والمدافعين عن الحقوق الذين آمنوا أن العدالة لا تحتاج إلى سلاح لتنتصر، بل إلى رجال يؤمنون بها حتى آخر لحظة. يعملون في الظل ويتنفسون الصبر ويكتبون بدموعهم قصص الصمود التي تنتظرها ذاكرة اليمن الجمهوري؛ اليمن الحر العادل الذي لا يزال ينتظر أبناءه الحقيقيين ليعيدوا إليه وجهه المشرق.

لم يكن طريق صبره مفروشا بالورد، بل بالأشواك. هددوه، ضايقوه، اتهموه بالعمالة، وحاولوا عزله عن الناس، لكنه ظل يبتسم في وجه القسوة، مؤمنا أن العدل لا يمارس بالثأر بل بالصبر. لم يساوم، ولم يتاجر بآلام الناس، ولم يبدل مبادئه مقابل الأمان.

في الحروب يبرز أناس من خلف الستار، لم يكونوا يوما في صدارة المشهد، لكنهم يحملون في داخلهم ضوءا لا يحتاج إلى منبر. أولئك الذين تتصدر نفوسهم قيم الإنسانية ومعاني العدالة، لا صورهم شاشات الأخبار. من هذا الطراز كان عبدالمجيد صبره ورفاقه، رجال إذا حضروا لم يعلوا فوق الموقف، وإذا تكلموا لم يطلبوا تصفيقا، وإذا غابوا تركوا خلفهم أثرا لا يمحى. يعملون في صمت نبيل، كمن يرمم جدارا في العتمة ليمنع سقوط بيت بأكمله. هم أبطال بلا ألقاب، يملكون من النقاء ما يكفي ليعيدوا للعدالة وجهها الإنساني، ولليمن معنى الصمود الحقيقي.

 توفيق الحميدي